الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ }

وقوله عز وجل: { تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ } تنزيه وتقديس له تعالى، فيه تقرير لما ذكر في هذه السورة الكريمة من آلائه جل شأنه الفائضة على الأنام، ـ فتبارك ـ بمعنى تعالى لأنه يكون بمعناه وهو أنسب بالوصف الآتي، وقد ورد في الأحاديث " تعالى اسمه " أي تعالى اسمه الجليل الذي من جملته ما صدرت به السورة من اسم الرحمن المنبـىء عن إفاضة الآلاء المفصلة، وارتفع مما لا يليق بشأنه من الأمور التي من جملتها جحود نعمائه وتكذيبها، وإذا كان حال اسمه تعالى بملابسة دلالته عليه سبحانه كذلك فما ظنك بذاته الأقدس الأعلى؟ وقيل: الاسم بمعنى الصفة لأنها علامة على موصوفها، وقيل: هو مقحم كما في قول من قال:
ثم اسم السلام عليكما   
وقيل: هو بمعنى المسمى، وزعم بعضهم أن الأنسب بما قصد من هذه السورة الكريمة وهو تعدد الآلاء والنعم تفسير { تَبَـٰرَكَ } بكثرت خيراته ثم إنه لا بعد في إسناده بهذا المعنى لاسمه تعالى إذ به يستمطر فيغاث ويستنصر فيعان.

وقوله سبحانه: { ذِى ٱلْجَلْـٰلِ وَالإِكْرام } صفة للرب ووصف جل وعلا بذلك تكميلاً لما ذكر من التنزيه والتقرير. وقرأ ابن عامر وأهل الشام ـ ذو ـ بالرفع على أنه وصف للاسم، ووصفه بالجلال والإكرام بمعنى التكريم واضح.

هذا ومن باب الإشارة في بعض الآياتٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ } [الرحمٰن: 1-2] إشارة إلى ما أودعه سبحانه في الأرواح الطيبة القدسية من العلوم الحقانية الإجمالية عند استوائه عز وجل على عرش الرحمانيةخَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ } [الرحمٰن: 3] الكامل الجامع { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } وهو تفصيل تلك العلوم الإجماليةفَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءانَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة: 18-19]ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } [الرحمٰن: 5] يشير إلى شمس النبوة وقمر الولاية الدائرتين في فلك وجود الإنسان بحساب التجليات ومراتب الاستعدادات، { وٱلنَّجْمُ } القوى السفلية { وَٱلشَّجَرُ } الاستعدادات العلويةيَسْجُدَانِ } [الرحمٰن: 6] يتذللان بين يديه تعالى عند الرجوع إليه سبحانه { وَٱلسَّمَاء } سماء القوى الإلٰهية القدسية { رَفَعَهَا } فوق أرض البشريةوَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } [الرحمٰن: 7] القوة المميزةأَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى ٱلْمِيزَانِ } [الرحمٰن: 8] لا تتجاوزوا عند أخذ الحظوظ السفلية وإعطاء الحقوق العلوية. وجوز أن يكون الميزان الشريعة المطهرة فإنها ميزان يعرف به الكامل من الناقص { وٱلأَرْضَ } أرض البشرية { وَضَعَهَا } بسطها وفرشهالِلأَنَامِ } [الرحمٰن: 10] للقوى الإنسانية { فِيهَا فَـٰكِهَةٌ } من فواكه معرفة الصفات الفعليةوَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } [الرحمٰن: 11] وهي الشجرة الإنسانية التي هي المظهر الأعظم وذات أطوار كل طور مستور بطور آخر { وَٱلْحَبُّ } هو حب الحب المبذور في مزارع القلوب السليمة من الدغل { ذُو ٱلْعَصْفِ } أوراق المكاشفاتوَٱلرَّيْحَانُ } [الرحمٰن: 12] ريحان المشاهدةرَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } [الرحمٰن: 17] رب مشرق شمس النبوة ومشرق قمر الولاية في العالم الجسماني ورب مغربهما في العالم الروحاني { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } بحر سماء القوى العلوية وبحر أرض القوى السفلية

السابقالتالي
2