الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ }

{ فِيهِنَّ } أي الجنان المدلول عليها بقوله تعالى:وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن: 46] فإنه يلزم من أنه لكل خائف جنتان تعدد الجنان، وكذا على تقدير أن يكون المراد لكل خائفين من الثقلين جنتان لا سيما وقد تقدم اعتبار الجمعية في قوله تعالى:مُتَّكِئِينَ } [الرحمن: 54] وقال الفراء: الضمير لجنتان، والعرب توقع ضمير الجمع على المثنى ولا حاجة إليه بعدما سمعت، وقيل: الضمير للبيوت والقصور المفهومة من الجنتين أو للجنتين باعتبار ما فيهما مما ذكر، وقيل: يعود على الفرش، قال أبو حيان: وهذا قول حسن قريب المأخذ. وتعقب بأن المناسب للفرش ـ على ـ وأجيب بأنه شبه تمكنهن على الفرش بتمكن المظروف في الظرف وإيثاره للإشعار بأن أكثر حالهن الاستقرار عليها، ويجوز أن يقال: الظرفية للإشارة إلى أن الفرش إذا جلس عليها ينزل مكان الجالس منها ويرتفع ما أحاط به حتى يكاد يغيب فيها كما يشاهد في فرش الملوك المترفهين التي حشوها ريش النعام ونحوه، وقيل: الضمير للآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجنى والمراد معهن.

{ قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ } أي نساء يقصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم، أو يقصرن طرف الناظر إليهن عن التجاوز إلى غيرهن، قال ابن رشيق في قول امرىء القيس:
من (القاصرات الطرف) لو (دب محول   من الذر فوق الأنف منها لأثرا)
أراد بالقاصرات الطرف أنها منكسرة الجفن خافضة النظر غير متطلعة لما بعد ولا ناظرة لغير زوجها، ويجوز أن يكون معناه أن طرف الناظر لا يتجاوزها كقول المتنبـي:
/ وخصر تثبت الأبصار فيه   كأن عليه من حدق نطاقاً
انتهى فلا تغفل. والأكثرون على أول المعنيين اللذين ذكرناهما بل في بعض الأخبار ما يدل على أنه تفسير نبوي. أخرج ابن مردويه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك " لا ينظرن إلا إلى أزواجهن " ومتى صح هذا ينبغي قصر الطرف عليه، وفي بعض الآثار تقول الواحدة منهن لزوجها: وعزة ربـي ما أرى في الجنة أحسن منك فالحمد لله الذي جعلني زوجك وجعلك زوجي. و { ٱلطَّرْفِ } في الأصل مصدر فلذلك وحد. { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } قال ابن عباس: لم يفتضهن قبل أزواجهن إنس ولا جان، وفيه إشارة إلى أن ضمير (قبلهم) للأزواج، ويدل عليه { قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ } وفي «البحر» هو عائد على من عاد عليه الضمير فيمُتَّكِئِينَ } [الرحمن: 54]. وأصل الطمث خروج الدم ولذلك يقال للحيض طمث، ثم أطلق على جماع الأبكار لما فيه من خروج الدم، وقيل: ثم عمم لكل جماع، وهو المروي هنا عن عكرمة، وإلى الأول ذهب الكثير، وقيل: إن التعبير به للإشارة إلى أنهن يوجدن أبكاراً كلما جومعن.

السابقالتالي
2 3