الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ }

وقوله تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } استئناف لبيان ما أجمل أولاً، والصرصر الباردة على ما روي عن ابن عباس وقتادة والضحاك، وقيل: شديدة الصوت وتمام الكلام قد مر في فصلت [16].

{ فِى يَوْمِ نَحْسٍ } شؤم عليهم { مُّسْتَمِرٌّ } ذلك الشؤم لأنهم بعد أن أهلكوا لم يزالوا معذبين في البرزخ حتى يدخلوا جهنم يوم القيامة، والمراد باليوم مطلق الزمان لقوله تعالى:فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } [فصلت: 16] وقوله سبحانه:سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } [الحاقة: 7] والمشهور أنه يوم الأربعاء / وكان آخر شوّال على معنى أن ابتداء إرسال الريح كان فيه فلا ينافي آيتي فصلت والحاقة. وجوز كون { مُّسْتَمِرٌّ } صفة { يَوْمِ } أي في يوم استمر عليهم حتى أهلكهم، أو شمل كبيرهم وصغيرهم حتى لم تبق منهم نسمة على أن الاستمرار بحسب الزمان أو بحسب الأشخاص والأفراد لكن على الأول لا بد من تجوز بإرادة استمرار نحسه، أو بجعل اليوم بمعنى مطلق الزمان لأن اليوم الواحد لم يستمر فتدبر، وجوز كون { مُّسْتَمِرٌّ } بمعنى محكم وكونه بمعنى شديد المرارة وهو مجاز عن بشاعته وشدة هوله إذ لا طعم له، وجوز كونه بدلاً، أو عطف بيان وهو كما ترى. وقرأ الحسن { يَوْمٍ نَحِس } بتنوين (يوم) وكسر حاء (نحس)، وجعله صفة ليوم فيتعين كون { مُّسْتَمِرٌّ } صفة ثانية له.

وأيد بعضهم بالآية ما أخرجه وكيع في «الغرر» وابن مردويه والخطيب البغدادي عن ابن عباس مرفوعاً «آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر» وأخذ بذلك كثير من الناس فتطيروا منه وتركوا السعي لمصالحهم فيه ويقولون له: أربعاء لا تدور، وعليه قوله:
لقاؤك للمبكر فأل سوء   ووجهك ـ أربعاء لا تدور ـ
وذلك مما لا ينبغي، والحديث المذكور في سنده مسلمة بن الصلت قال أبو حاتم: متروك، وجزم ابن الجوزي بوضعه؛ وقال ابن رجب: حديث لا يصح ورفعه غير متفق عليه فقد رواه الطيوري من طريق آخر موقوفاً على ابن عباس، وقال السخاوي: طرقه كلها واهية، وضعفوا أيضاً خبر الطبراني «يوم الأربعاء يوم نحس مستمر»، والآية قد علمت معناها.

وجاء في الأخبار والآثار ما يشعر بمدحه ففي «منهاج الحليمي»، و«شعب البيهقي» أن الدعاء يستجاب يوم الأربعاء بعيد الزوال، وذكر برهان الإسلام في «تعليم المتعلم» عن صاحب «الهداية» أنه ما بدىء شيء يوم الأربعاء إلا وتم وهو يوم خلق الله تعالى فيه النور فلذلك كان جمع من المشايخ يتحرون ابتداء الجلوس للتدريس فيه، واستحب بعضهم غرس الأشجار فيه لخبر ابن حبان والديلمي عن جابر مرفوعاً " من غرس الأشجار يوم الأربعاء وقال: سبحان الباعث الوارث أتته أكلها "

السابقالتالي
2 3 4