الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ }

{ ذُو مِرَّةٍ } ذو حصافة واستحاكم في العقل كما قال بعضهم، فكأن الأول وصف بقوّة الفعل، وهذا وصف بقوّة النظر والعقل لكن قيل: إن ذاك بيان لما وضع له اللفظ فإن العرب تقول لكل قوي العقل والرأي: ذُو مرّة من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله، وإلا فوصف الملك بمثله غير ظاهر فهو كناية عن ظهور الآثار البديعة، وعن سعيد بن المسيب: ذو حكمة لأن كلام الحكماء متين، وروى الطستي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عنه فقال: ذو شدة في أمر الله عز وجل واستشهد له، وحكى الطيبـي عنه أنه قال: ذو منظر حسن واستصوبه الطبري، وفي معناه قول مجاهد: ذو خلق حسن، وهو في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سويّ " بمعنى ذي قوة، وفي «الكشف» إن المِرّة لأنها في الأصل تدل على المرة بعد المرة تدل على زيادة القوة فلا تغفل.

{ فَٱسْتَوَىٰ } أي فاستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى عليها وذلك عند حراء في مبادي النبوة " وكان له عليه الصلاة والسلام ـ كما في حديث أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد وجماعة عن ابن مسعود ـ ستمائة جناح كل جناح منها يسد الأفق " فالاستواء هٰهنا بمعنى اعتدال الشيء في ذاته كما قال الراغب، وهو المراد بالاستقامة لا ضد الاعوجاج، ومنه استوى الثمر إذا نضج.

وفي الكلام على ما قال الخفاجي: طي لأن وصفه عليه السلام بالقوة وبعض صفات البشر يدل على أن النبـي صلى الله عليه وسلم رآه في غير هيئته الحقيقية وهذا تفصيل لجواب سؤال مقدر كأنه قيل: فهل رآه على صورته الحقيقية؟ فقيل: نعم رآه فاستوى الخ. وفي «الإرشاد» أنه عطف على { عَلَّمَهُ } بطريق التفسير فإنه إلى قوله تعالى:مَا أَوْحَىٰ } [النجم: 10] بيان لكيفية التعليم، وتعقب بأن الكيفية غير منحصرة فيما ذكر، ومن هنا قيل: إن الفاء للسببية فإن تشكله عليه السلام بشكله يتسبب عن قوته وقدرته على الخوارق أو عاطفة على { عَلَّمَهُ } على معنى علمه على غير صورته الأصلية، ثم استوى على صورته الأصلية وتعقب بأنه لا يتم به التئام الكلام ويحسن به النظام، وقيل: / استوى بمعنى ارتفع والعطف على عَلَّم، والمعنى ارتفع إلى السماء بعد أن عَلَّمَه وأكثر الآثار تقتضي ما تقدم.