الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } والتصريح بالنهي مع كونه معلوماً لا سيما من قوله تعالى:غَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } [المائدة: 1] لتأكيد الحرمة وترتيب ما يعقبه عليه. واللام في { ٱلصَّيْدِ } للعهد حسبما سلف، وإطلاقه على غير المأكول شائع، وإلى التعميم ذهبت الإمامية، وأنشدوا لعلي كرم الله تعالى وجهه:
صيد الملوك ثعالب وأرانب   وإذا ركبت فصيدي الأبطال
وخصه الشافعية بالمأكول قالوا: لأنه الغالب فيه عرفا، وأيد ذلك بما رواه الشيخان " خمس يقتلن في الحل والحرم: الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور " وفي رواية لمسلم " والحية " بدل العقرب، وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة البحث. والحرم جمع حرام كردح جمع رداح والحرام والمحرم بمعنى والمراد به من أحرم بحج أو عمرة وإن كان في الحل وفي حكمه من كان في الحرم وإن كان حلالاً، وقيل: المراد به من كان في الحرم وإن لم يكن محرماً بنسك وفي حكمه المحرم وإن كان في الحل. وقال أبو علي الجبائي: الآية تدل على تحريم قتل الصيد على المحرم بنسك أينما كان وعلى من في الحرم كيفما كان معا، وقال علي بن عيسى: لا تدل إلا على تحريم ذلك على الأول خاصة، ولعل الحق مع علي لا مع أبيه. وذكر القتل دون الذبح ونحوه للإيذان بأن الصيد وإن ذبح في حكم الميتة، وإلى ذلك ذهب الإمام الأعظم وأحمد ومالك رضي الله تعالى عنهم، وهو القول الجديد للشافعي رضي الله تعالى عنه، وفي القديم لا يكون في حكم الميتة ويحل أكله للغير ويحرم على المحرم.

{ وَمَن قَتَلَهُ } كائناً { منْكُمْ } حال كونه { مُّتَعَمّداً } أي ذاكراً لإحرامه عالماً بحرمة قتل ما يقتله ومثله من قتله خطأ للسنة. فقد أخرج ابن جرير عن الزهري قال: نزل القرآن بالعمد وجرت السنة في الخطأ. وأخرج الشافعي وابن المنذر عن عمرو بن دينار قال: رأيت الناس أجمعين يغرمون في الخطأ. وقال بعضهم: التقييد به بالعمد لأنه الأصل والخطأ ملحق به قياساً. واعترض بأن القياس في الكفارات مختلف فيه، والحنفية لا تراه، وقيل: التقييد به لأنه المورد، فقد روي أنه عن لهم حمار وحشي فحمل عليه أبو اليَسَر فطعنه برمحه فقتله فقيل له: قتلته وأنت محرم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فأنزل الله تعالى الآية. واعترض بأن الخبر على تقدير ثبوته إنما يدل على أن القتل من أبي اليسر كان عن قصد وهو غير العمد بالمعنى السابق إذ قد أخذ فيه العلم بالتحريم، وفعل أبي اليسر خال عن ذلك بشهادة الخبر إذ يدل أيضاً على أن حرمة قتل المحرم الصيد علمت بعد نزول الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10