الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ }

عطف التكذيب بآيات الله تعالى على الكفر مع أنه ضرب منه لما أن القصد إلى بيان حال المكذبين وذكرهم بمقابلة المصدقين بها ليقترن الوعيد بالوعد وبضدها تتبين الأشياء.

هذا ومن باب الإشارة في بعض ما تقدم من الآيات: { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } ذهب كثير من ساداتنا الصوفية إلى أن هذا أمر منه عز شأنه أن يبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم ما أنزله إليه ما يتعلق بأحكام العبودية ولم يأمره جل جلاله بأن يعرف الناس أسرار ما بينه وبينه فإن ذرة من أسراره سبحانه لا تتحملها السماوات والأرض، وهذه الأسرار هي المشار إليها بقوله تعالى:فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ } [النجم: 10]. ولهذا قال سبحانه { مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } ولم يقل ما خصصناك به أو ما تعرفنا به إليك. وقال بعضهم وهو المنصور: إن الموصول عام ويندرج فيه الوحي والالهامات والمنامات والمشاهدات وسائر المواهب، والرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بتبليغ كل ذلك إلا أن مراتب التبليغ مختلفة حسب اختلاف الاستعدادات فتبليغ بالعبارة وتبليغ بالإشارة وتبليغ بالهمة وتبليغ بالجذبة إلى غير ذلك فسبحان من أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرهاوَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67] بما أودع فيك من أسرار الألوهية فلا يقدرون أن يوصلوا إليك ما يقطعك عن الله تعالى، وقريب من ذلك ماقيل: يعصمك منهم أن يكون لك بهم اشتغال، وقيل: يعصمك من أن ترى لنفسك فيهم شيئاً بل ترى الكل منه سبحانه وبه { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَىْء } يعتدُّ به { حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } فتعطوا الظاهر حقه وتعملوا بالشريعة على الوجه الأكمل مع / توحيد الأفعال { وَٱلإِنجِيلَ } فتعطوا الباطن حقه وتعملوا بالطريقة على الوجه الأتم مع توحيد الصفات { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } فتعطوا الحقيقة حقها وتشاهدوا الكثرة في عين الوحدة والوحدة في عين الكثرة ولا تحجبكم الكثرة عن الوحدة ولا الوحدة عن الكثرةوَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طُغْيَـٰناً وَكُفْراً } [المائدة:68] لجهلهم به وقلة استعدادهم لمعرفة أسراره. وعن بعض السادة قدس الله تعالى أسرارهم أن القرآن المنزل على النبـي المرسل صلى الله عليه وسلم ذو صفتين: صفة قهر وصفة لطف فمن تجلى له القرآن بصفة اللطف يزيد نور بصيرته بلطائف حكمته وحقائق أسراره ودقائق بيانه ويزيد بذلك نور إيمانه وتوحيده ويعرف بذلك ظاهر الخطاب وباطنه، ومن يتجلى له بصفة القهر تزيد ظلمة طغيانه وينسد عليه باب عرفانه بحيث لا يدرك سر الخطاب فتكثر عليه الشكوك والأوهام، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2] وقوله سبحانه:يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَـٰسِقِينَ }

السابقالتالي
2