الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ }

{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ } عطف علىلاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [المائدة: 82] و { إِذَا } في موضع نصب بترى، وجملة { تَفِيضُ } في موضع الحال والرؤية بصرية أي ذلك بسبب أنهم لا يستكبرون وأنهم إذا سمعوا القرآن رأيت أعينهم فائضة من الدمع، وجوز السمين وغيره الاستئناف، وأياً ما كان فهو بيان لرقة قلوبهم وشدة خشيتهم ومسارعتهم إلى قبول الحق وعدم إبائهم إياه. والظاهر عود ضمير { سَمِعُواْ } لـٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ } [المائدة: 82].

وقد تقدم أن الظاهر فيه العموم، وقيل: يتعين هنا إرادة البعض، وهو من جاء من الحبشة إلى النبـي صلى الله عليه وسلم لأن كل النصارى ليسوا كذلك، والفيض انصباب عن امتلاء، ووضع هنا موضع الامتلاء بإقامة المسبب مقام السبب أي تمتلىء من الدمع أو قصد المبالغة فجعلت أعينهم بأنفسها تفيض من أجل الدمع قاله في «الكشاف». وأراد على مافي «الكشف» أن الدمع على الأول: هو الماء المخصوص وعلى الثاني: الحدث، وهو على الأول: مبدأ مادي وعلى الثاني: سببـي. وفي «الانتصاف» «أن هذه العبارة أبلغ العبارات وهي ثلاث مراتب فالأولى: فاض دمع عينه وهذا هو الأصل والثانية: محولة من هذه وهي فاضت عينه دمعاً فإنه قد حول فيها الفعل إلى العين مجازاً ومبالغة ثم نبه على الأصل والحقيقة بنصب ما كان فاعلاً على التمييز، والثالثة: ما في النظم الكريم وفيها التحويل المذكور إلا أنها أبلغ من الثانية باطراح التنبيه على الأصل وعدم نصب التمييز وإبرازه في صورة التعليل»، وجوز الزمخشري أن تكون ـ من ـ هذه هي الداخلة على التمييز وهو مردود وإن كان الكوفيون ذهبوا إلى جواز تعريف التمييز وأنه لا يشترط تنكيره كما هو مذهب الجمهور لأن التمييز المنقول عن الفاعل يمتنع دخول من عليه وإن كانت مقدرة معه فلا يجوز تفقأ زيد من شحم فليفهم.

{ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقّ } { مِنْ } الأولى: لابتداء الغاية متعلقة بمحذوف وقع حالاً من { ٱلدَّمْعِ } أي حال كونه ناشئاً من معرفة الحق. وجوز أن تكون تعليلية متعلقة بتفيض أي أن فيض دمعهم بسبب عرفانهم. وجوز على تقدير كونها للابتداء أن تتعلق بذلك أيضاً لكن لا يجوز على تقدير اتحاد متعلق { مِنْ } هذه ومن في { مِنَ ٱلدَّمْعِ } القول باتحاد معناهما فإنه لا يتعلق حرفا جر بمعنى بعامل واحد، و { مِنْ } الثانية: للتبعيض متعلقة بعرفوا على معنى أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم فكيف لو عرفوه كله وقرأوا القرآن وأحاطوا بالسنة، أو لبيان (ما) بناء على أنها موصولة، ونص أبو البقاء على أنها متعلقة بمحذوف وقع حالاً من العائد المحذوف ولم يذكر الاحتمال الأول. وقرىء { تَرَى أَعْيُنَهُمْ } على صيغة المبني للمفعول.

السابقالتالي
2