الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }

{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } جملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها من قبائح اليهود، وأكدت بالقسم اعتناء ببيان تحقق مضمونها، والخطاب إما لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم وإما لكل أحد يصلح له إيذاناً بأن حالهم مما لا تخفى على أحد من الناس. والوجدان متعد لاثنين أولهما: { أَشَدَّ } وثانيهما: { ٱلْيَهُودُ } وما عطف عليه كما قال أبو البقاء، واختار السمين العكس لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر ومحط الفائدة هو الخبر ولا ضير في التقديم والتأخير إذا دل على الترتيب دليل وهو هنا واضح إذ المقصود بيان كون الطائفتين أشد الناس عداوة للمؤمنين لا كون أشدهم عداوة لهم الطائفتين المذكورتين فليفهم. و { عَدَاوَةٌ } تمييز، واللام الداخلة على الموصول متعلقة بها مقوية لعملها ولا يضر كونها مؤنثة بالتاء لأنها مبنية عليه كرهبة عقابك، وجوز أبو البقاء والسمين تعلقها بمحذوف وقع صفة لها أي عداوة كائنة للذين آمنوا، والظاهر أن المراد من اليهود العموم لمن كان بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة وغيرهم، ويؤيده ما أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه عن أبـي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله " وفي لفظ " إلا حدث نفسه بقتله " وقيل: المراد بهم يهود المدينة وفيه بعد. وكما اختلف في عموم اليهود اختلف في عموم { ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } ، والمراد من الناس كما قال أبو حيان الكفار أي لتجدن أشد الكفار عداوة هؤلاء؛ ووصفهم سبحانه بذلك لشدة شكيمتهم وتضاعف كفرهم وانهماكهم في اتباع الهوى وقربهم إلى التقليد وبعدهم عن التحقيق وتمرنهم على التمرد والاستعصاء على الأنبياء عليهم السلام والاجتراء على تكذيبهم ومناصبتهم. وقد قيل: إن من مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأي طريق كان، وفي تقديم اليهود على المشركين إشعار بتقدمهم عليهم في العداوة كما أن في تقديمهم عليهم في قوله تعالى:وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } [البقرة: 96] إيذاناً بتقدمهم عليهم في الحرص. وقيل: التقديم لكون الكلام في تعديد قبائحهم، ولعل التعبير بالذين أشركوا دون المشركين مع أنه أخصر للمبالغة في الذم وقيل: ليكون على نمط (الذين آمنوا) والتعبير به دون المؤمنين لأنه أظهر في علية ما في حيز الصلة.

وأعيد الموصول مع صلته في قوله تعالى: { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ } روماً لزيادة التوضيح والبيان، والتعبير بقوله سبحانه وتعالى: { ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ } دون النصارى إشعاراً بقرب مودتهم حيث يدعون أنهم أنصار الله تعالى وأوداء أهل الحق وإن لم يظهروا اعتقاد حقية الإسلام.

السابقالتالي
2 3