الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ }

{ تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } خطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم أو لكل من تصح منه الرؤية، وهي هنا بصرية، والجملة الفعلية بعدها في موضع الحال من مفعولها لكونه موصوفاً، وضمير { مِنْهُمْ } لأهل الكتاب أو لبني إسرائيل، واستظهره في «البحر» والمراد من الكثير ـ كعب بن الأشرف وأصحابه ـ ومن { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مشركو مكة؛ وقد روي أن جماعة من اليهود خرجوا إلى مكة ليتفقوا مع مشركيها على محاربة النبـي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فلم يتم لهم ذلك. وروي عن الباقر رضي الله تعالى عنه أن المراد من { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الملوك الجبارون؛ أي ترى كثيراً منهم ـ وهم علماؤهم ـ يوالون الجبارين ويزينون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم، وهذا في غاية البعد، ولعل نسبته إلى الباقر رضي الله تعالى عنه غير صحيحة؛ وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه والحسن ومجاهد أن المراد من ـ الكثير ـ منافقو اليهود، ومن { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مجاهروهم، وقيل: المشركون.

{ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ } أي لبئس شيئاً فعلوه في الدنيا ليردوا على جزائه في العقبـى { أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } هو المخصوص بالذم على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه تنبيهاً على كمال التعلق والارتباط بينهما كأنهما شيء واحد، ومبالغة في الذم أي بئس ما قدموا لمعادهم موجب سخط الله تعالى عليهم، وإنما اعتبروا المضاف لأن نفس سخط الله تعالى شأنه باعتبار إضافته إليه سبحانه ليس مذموماً بل المذموم ما أوجبه من الأسباب على أن نفس السخط مما لم يعمل في الدنيا ليرى جزاؤه في العقبـى كما لا يخفى، وفي إعراب المخصوص بالذم أو المدح أقوال شهيرة للمعربين، واختار أبو البقاء كون المخصوص هنا خبر مبتدأ محذوف تنبـىء عنه الجملة المتقدمة، كأنه قيل: ما هو؟ أو أي شيء هو؟ فقيل: هو أن سخط الله عليهم ونقل عن سيبويه أنّ { أَن سَخِطَ ٱللَّهُ } مرفوع على البدل من المخصوص بالذم وهو محذوف، وجملة { قَدَّمَتْ } صفته، و { مَا } اسم تام معرفة في محل رفع بالفاعلية لفعل الذم، والتقدير لبئس الشيء شيء قدمته لهم أنفسهم سخط الله تعالى، وقيل: إنه في محل رفع بدل من { مَا } إن قلنا: إنها معرفة فاعل لفعل الذم، أو في محل نصب منها إن كانت تمييزاً، واعترض بأن فيه إبدال المعرفة من النكرة، وقيل: إنه على تقدير الجار، والمخصوص محذوف أي لبئس شيئاً ذلك لأن سخط الله تعالى عليهم.

{ وَفِى ٱلْعَذَابِ } أي عذاب جهنم { هُمْ خَـٰلِدُونَ } أبد الآبدين، والجملة في موضع الحال وهي متسببة عما قبلها، وليست / داخلة في حيز الحرف المصدري إعراباً كما توهمه عبارة البعض، وتعسف لها عصام الملة بجعل ـ أن ـ مخففة عاملة في ضمير الشأن بتقدير أنه سخط الله تعالى عليهم { وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ } ، وجوز أيضاً أن تكون هذه الجملة معطوفة على ثاني مفعولي { تَرَى } بجعلها علمية أي تعلم كثيراً منهم { يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ويخلدون في النار، وكل ذلك مما لا حاجة إليه.