الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } شروع في بيان كفر طائفة أخرى منهم، وقد تقدم لك من هم، و { ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } لا يكون إلا مضافاً كما قال الفراء، وكذا ـ رابع أربعة ـ ونحوه، ومعنى ذلك أحد تلك الأعداد لا الثالث والرابع خاصة، ولو قلت: ثالث اثنين ورابع ثلاثة مثلاً جاز الأمران: الإضافة والنصب. وقد نص على ذلك الزجاج أيضاً، وعنوا بالثلاثة ـ على ما روي عن السدي ـ الباري عز اسمه وعيسى وأمه عليهما السلام فكل من الثلاثة إله بزعمهم، والإلهية مشتركة بينهم، ويؤكده قوله تعالى للمسيح عليه السلام:أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [المائدة: 116]، وهو المتبادر من ظاهر قوله تعالى: { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي والحال أنه ليس من الموجودات ذات واجب مستحق للعبادة ـ لأنه مبدأ جميع الموجودات ـ إلا إله موصوف بالوحدة متعال عن قبول الشركة بوجه، إذ التعدد يستلزم انتفاء الألوهية ـ كما يدل عليه برهان التمانع ـ فإذا نافت الألوهية مطلق التعدد، فما ظنك بالتثليث؟! و { مِنْ } مزيدة للاستغراق كما نص على ذلك النحاة، وقالوا في وجهه: لأنها في الأصل (من) الإبتدائية حذف مقابلها إشارة إلى عدم التناهي، فأصل لا رجل: لا من رجل إلى ما لا نهاية له. وهذا حاصل ما ذكره صاحب " الإقليد " في ذلك، وقيل إنهم يقولون الله سبحانه جوهر واحد، ثلاثة أقانيم، أقنوم الأب وأقنوم الإبن وأقنوم روح القدس، ويعنون بالأول: الذات، وقيل: الوجود. وبالثاني: العلم. وبالثالث: الحياة، وإن منهم من قال بتجسمها، فمعنى قوله تعالى: { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } لا إله بالذات منزه عن شائبة التعدد بوجه من الوجوه التي يزعمونها، وقد مرّ تحقيق هذا المقام بما لا مزيد عليه، فارجع إن أردت ذلك إليه.

{ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ } أي إن لم يرجعوا عما هم عليه إلى خلافه وهو التوحيد والإيمان { لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } جواب قسم محذوف سادّ مسد جواب الشرط ـ على ما قاله أبو البقاء ـ والمراد من الذين كفروا إما الثابتون على الكفر ـ كما اختاره الجبائي والزجاج ـ وإما النصارى كما قيل، ووضع الموصول موضع ضميرهم لتكرير الشهادة عليهم بالكفر، و { مِنْ } على هذا بيانية، وعلى الأول: تبعيضية، وإنما جيء بالفعل المنبىء عن الحدوث تنبيهاً على أن الاستمرار عليه ـ بعد ورود ما ورد مما يقتضي القلع عنه ـ كفر جديد وغلو زائد على ما كانوا عليه من أصل الكفر.