الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } كلام مستأنف مسوق للترغيب في الإيمان والعمل الصالح. وقد تقدم في آية البقرة [62] الاختلاف في المراد ـ من الذين آمنوا ـ والمروي عن الثوري أنهم الذين آمنوا بألسنتهم ـ وهم المنافقون ـ وهو الذي اختاره الزجاج، واختار القاضي أن المراد بهم المتدينون بدين محمد صلى الله عليه وسلم مخلصين كانوا أو منافقين، وقيل: غير ذلك { وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } أي دخلوا في اليهودية { وَٱلصَّائبونَ } ، «وهم كما قال حسن جلبـي وغيره: قوم خرجوا عن دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة، وقد تقدم الكلام على ذلك، وفي «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة» للجلال السيوطي ما لفظه: ذكر أئمة التاريخ أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى لابنه شيث ـ وكان فيه وفي بنيه النبوة والدين ـ وأنزل عليه تسع وعشرون صحيفة وأنه جاء إلى أرض مصر، وكانت تدعى باب لون فنزلها هو وأولاد أخيه، فسكن شيث فوق الجبل، وسكن أولاد قابيل أسفل الوادي، واستخلف شيث ابنه أنوش واستخلف أنوش ابنه قَيْنَان. واستخلف قَيْنَان ابنه مهليائيل، / واستخلف مهليائيل ابنه يرد، ودفع الوصية إليه وعلمه جميع العلوم وأخبره بما يحدث في العالم، ونظر في النجوم وفي الكتاب الذي أنزل على آدم عليه الصلاة والسلام، وولد ليرد أخنوخ ـ وهو إدريس عليه الصلاة والسلام ـ ويقال له: هرمس، وكان الملك في ذلك الوقت محويل بن أخنوخ بن قابيل، وتنبأ إدريس عليه الصلاة والسلام وهو ابن أربعين سنة، وأراد به الملك سوءاً فعصمه الله تعالى وأنزل عليه ثلاثين صحيفة، ودفع إليه أبوه وصية جده والعلوم التي عنده وكان قد ولد بمصر وخرج منها، وطاف الأرض كلها (ورجع فدعا الخلق إلى الله تعالى فأجابوه حتى عمت ملته الأرض)، وكانت ملته الصابئة، وهي توحيد الله تعالى والطهارة [والصلاة] والصوم وغير ذلك من رسوم التعبدات، وكان في رحلته إلى المشرق قد أطاعه جميع ملوكها، وابتنى مائة وأربعين مدينة أصغرها الرها، ثم عاد إلى مصر وأطاعه ملكها وآمن به» ـ إلى آخر ما قاله ـ ونقله عن التيفاشي، ويفهم منه قول في الصابئة غير الأقوال المتقدمة. وفي «شذرات الذهب» لعبد الحي بن أحمد بن العماد الحنبلي في ترجمة أبـي إسحق الصابىء ما نصه: «والصابىء بهمز آخره، قيل: نسبة إلى صابىء بن متوشلخ بن إدريس عليه الصلاة والسلام، وكان على الحنيفية الأولى، وقيل: الصابىء بن ماوى، وكان في عصره الخليل عليه الصلاة والسلام، وقيل: الصابىء عند العرب من خرج عن دين قومه» انتهى.

{ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ } جمع نصران، وقد مر تفصيله، ورفع { الصابئون } على الابتداء وخبره محذوف لدلالة خبر ـ إن ـ عليه، والنية فيه التأخير عما في خبر { إن } ، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كيت وكيت والصابئون كذلك بناءاً على أن المحذوف في إن زيداً، وعمرو قائم خبر الثاني لا الأول كما هو مذهب بعض النحاة واستدل عليه بقول صابىء بن الحرث البرجمي:

السابقالتالي
2 3 4