الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ } عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعكرمة والضحاك قالوا: إن الله تعالى قد بسط لليهود الرزق فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم / كف عنهم ما كان بسط لهم، فعند ذلك قال فنحاص بن عازوراء رأس يهود قينقاع، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما النباش بن قيس { يَدُ ٱللَّهِ } عز وجل { مَغْلُولَةً } وحيث لم ينكر على القائل الآخرون ورضوا به نسبت تلك العظيمة إلى الكل، ولذلك نظائر تقدم كثير منها، وأرادوا بذلك ـ لعنهم الله تعالى ـ أنه سبحانه ممسك ما عنده بخيل به تعالى عما يقولون علواً كبيراً فإن كلاً من غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود، أو كناية عن ذلك، وقد استعمل حيث لا تصح يد كقوله:
جاد الحمى بسط (اليدين) بوابل   شكرت نداه تلاعه ووهاده
ولقد جعلوا للشمال يداً كما في قوله:
أضل صواره وتضيفته   نطوف أمرها بيد (الشمال)
وقول لبيد:
وغداة ريح قد كشفت وقرة   إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
ويقال: بسط اليأس كفيه في صدر فلان، فيجعل لليأس الذي هو من المعاني لا من الأعيان كفان، قال الشاعر:
وقد رابني وهن المنى وانقباضها   وبسط جديد اليأس كفيه في صدري
وقيل: معناه إنه سبحانه فقير، كقوله تعالى:لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } [آل عمران: 181]، وقيل: اليد هنا بمعنى النعمة أي إن نعمته مقبوضة عنا، وعن الحسن أن المعنى أن يد الله تعالى مكفوفة عن عذابنا فليس يعذبنا إلا بما يبر به قسمه قدر ما عبد آباؤنا العجل، وكأنه حمل اليد على القدرة، والغل على عدم التعلق. وقيل: لا يبعد أن يقصدوا اليد الجارحة فإنهم مجسمة، وقد حكي عنهم أنهم زعموا أن ربهم أبيض الرأس واللحية قاعد على كرسي، وأنه فرغ من خلق السموات والأرض يوم الجمعة واستلقى على ظهره واضعاً إحدى رجليه على الأخرى وإحدى يديه على صدره للاستراحة مما عراه من النصب في خلق ذلك تعالى الله سبحانه عما يقولون علواً كبيراً.

والأقوال كلها كما ترى، وكل العجب من الحسن رضي الله تعالى عنه من قول ذلك وليته لم يقل غير الحسن، ولعل نسبته إليه غير صحيحة، والذي تقتضيه البلاغة ويشهد له مساق الكلام القول الأول، ولا يبعد من قوم قالوا لموسى عليه الصلاة والسلام ـٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ } [الأعراف: 138] وعبدوا العجل ـ أن يعتقدوا اتصاف الله عز وجل بالبخل ويقولوا ما قالوا، وقال أبو القاسم البلخي: يجوز أن يكون اليهود قالوا قولاً واعتقدوا مذهباً يؤدي معناه إلى أن الله تعالى عز شأنه يبخل في حال ويجود في حال آخر، فحكى عنهم على وجه التعجب منهم والتكذيب لهم.

السابقالتالي
2 3 4 5