الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ }

{ وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ } عطف علىٱلْكِتَـٰبِ } [المائدة: 48]، كأنه قيل: وأنزلنا إليك الكتاب وقولنا احكم أي الأمر بالحكم لا الحكم لأن المنزل الأمر بالحكم لا الحكم، ولئلا يلزم إبطال الطلب بالكلية، ولك أن تقدر الأمر بالحكم من أول الأمر من دون إضمار القول كما حققه في «الكشف»، وجوز أن يكون عطفاً علىٱلْحَقّ } [المائدة: 48]، وفي المحل وجهان: الجر والنصب على الخلاف المشهور، وقيل: يجوز أن يكون الكلام جملة اسمية بتقدير مبتدأ أي وأمرنا أن احكم، وزعم بعضهم أن { أن } هذه تفسيرية، ووجه أبو البقاء بأن يكون التقدير وأمرناك، ثم فسر هذا الأمر باحكم، ومنع أبو حيان من تصحيحه بذلك بأنه لم يحفظ من لسانهم حذف المفسر بأن والأمر كما ذكر، وقال الطيبـي: ولو جعل هذا الكلام عطفاً علىفَٱحْكُمْ } [المائدة: 42] / من حيث المعنى ليكون التكرير لإناطة قوله سبحانه: { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } كان أحسن، ورد بأن { أن } هي المانعة من ذلك العطف، وأمر الإناطة ملتزم على كل حال، وقال بعضهم: إنما كرر الأمر بالحكم لأن الإحتكام إليه صلى الله عليه وسلم كان مرتين: مرة في زنا المحصن ومرة في قتيل كان بينهم، فجاء كل أمر في أمر، وحكي ذلك عن الجبائي والقاضي أبـي يعلى، ونون { أن } فيها الضم والكسر، والمنسبك من { أَن يَفْتِنُوكَ } بدل من ضمير المفعول بدل اشتمال، أي: واحذر فتنتهم لك وأن يصرفوك عن بعض ما أنزل الله ـ تعالى ـ إليك ولو كان أقل قليل بتصوير الباطل بصورة الحق؛ وقال ابن زيد: بالكذب على التوراة في أن ذلك الحكم ليس فيها، وجوز أن يكون مفعولاً من أجله، أي احذرهم مخافة أن يفتنوك وإعادة { مَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ } ـ تَعَالَى ـ { إِلَيْكَ } لتأكيد التحذير بتهويل الخطب، ولعل هذا لقطع أطماعهم قاتلهم الله تعالى، أخرج ابن أبـي حاتم، والبيهقي في «الدلائل» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أحبار اليهود قالوا: اذهبوا بنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا نفتنه عن دينه فقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأنا إن اتبعناك اتبعتنا اليهود كلهم. وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا عن قبول الحكم بما أنزل الله تعالى إليك وأرادوا غيره { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } وهو ذنب التولي والإعراض، فهو بعض مخصوص والتعبير عنه بذلك للإيذان بأن لهم ذنوباً كثيرة، وهذا مع كمال عظمه واحد من جملتها، وفي هذا الإبهام تعظيم للتولي كما في قوله:

السابقالتالي
2