الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

{ وَكَتَبْنَا } عطف علىأَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَٰةَ } [المائدة: 44] والمعنى قدرنا وفرضنا { عَلَيْهِمْ } أي على الذين هادوا، وفي مصحف أبي (وأنزلنا على بني إسرائيل) { فِيهَا } أي في التوراة، والجار متعلق بكتبنا، وقيل: بمحذوف وقع حالاً أي فرضنا هذه الأمور مبينة فيها، وقيل: صفة لمصدر محذوف أي كتبنا كتابة مبينة فيها. { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } أي مأخوذة أو مقتولة أو مقتصة بها إذا قتلتها بغير حق، ويقدر في كل مما في قوله تعالى: { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ } ما يناسبه كالفقء. والجدع والصلم والقلع، ومنهم من قدر الكون المطلق وقال: إنه مرادهم أي يستقر أخذها بالعين ونحو ذلك. وقرأ الكسائي: { ٱلْعَيْنَ } وما عطف عليه بالرفع، ووجهه أبو علي الفارسي بأن الكلام حينئذ جمل معطوفة على جملة { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } لكن من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، فإن معنى ـ كتبنا عليهم أن النفس بالنفس ـ قلنا لهم: النفس بالنفس، فالجملة مندرجة تحت ما كتب على بني إسرائيل، وجعله ابن عطية على هذا القول من العطف على التوهم وهو غير مقيس، وقيل: إنه محمول على الاستئناف بمعنى أن الجمل إسمية معطوفة على الجملة الفعلية، ويكون هذا ابتداء تشريع وبيان حكم جديد غير مندرج فيما كتب في التوراة، وقيل: إنه مندرج فيه أيضاً على هذا، والتقدير وكذلك ـ العين بالعين ـ الخ لتتوافق القراءتان. وقال الخطيب: لا عطف، والاستئناف بمعناه المتبادر منه، والكلام جواب سؤال كأنه قيل: ما حال غير النفس؟ فقال سبحانه: { ٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } الخ، وقيل: إن العين وكذا سائر المرفوعات معطوفة على الضمير المرفوع المستتر في الجار والمجرور الواقع خبراً، والجار والمجرور بعدها حال مبينة للمعنى، وضعف هذا بأنه يلزمه العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير فصل ولا تأكيد، وهو لا يجوز عند البصريين إلا ضرورة. وأجيب بأنه مفصول تقديراً إذ أصله النفس مأخوذة أو مقتصة هي بالنفس إذ الضمير مستتر في المتعلق المقدم على الجار والمجرور بحسب الأصل وإنما تأخر بعد الحذف وانتقاله إلى الظرف كذا قيل، وهو يقتضي / أن الفصل المقدر يكفي للعطف وفيه نظر، ويقدر المتعلق على هذا عاماً ليصح العطف إذ لو قدر النفس مقتولة بالنفس والعين لم يستقم المعنى كما لا يخفى فليفهم.

واعلم أن النفس في كلامهم إذا أريد منها الإنسان بعينه مذكر، ويقال: ثلاثة أنفس على معنى ثلاثة أشخاص، وإذا أريد بها الروح فهي مؤنثة لا غير، وتصغيرها نفيسة لا غير، والعين بمعنى الجارحة المخصوصة مؤنثة، وإطلاق القول بالتأنيث لا يظهر له وجه إذ لا يصح أن يقال: هذه عين هؤلاء الرجال، وأنت تريد الخيار، والأذن مثلها، والأنف مذكر لا غير، والسن تؤنث ولا تذكر وإن كانت السن من الكبر لكن ذكر ابن الشحنة أن السن تطلق على الضرس والناب، وقد نصوا على أنهما مذكران وكذا الناجذ والضاحك والعارض، ونص ابن عصفور على أن الضرس يجوز فيه الأمران، ونظم ما يجوز فيه ذلك بقوله:

السابقالتالي
2 3