الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

{ إِنَّا أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَٰةَ } كلام مستأنف سيق لتقرير مزيد فظاعة حال أولئك اليهود ببيان علو شأن التوراة على أتم وجه { فِيهَا هُدًى } أي إرشاد للناس إلى الحق { وَنُورٌ } أي ضياء يكشف به ما تشابه عليهم وأظلم ـ قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه ـ. وقال الزجاج: { فِيهَا هُدًى } أي بيان للحكم الذي جاؤوا يستفتون فيه النبـي صلى الله عليه وسلم { وَنُورٌ } أي بيان أنّ أمر النبـي عليه الصلاة والسلام حق، ولعل تعميم المهدي إليه كما في كلام ابن عباس أولى، ويندرج فيه اندراجاً أولياً ما ذكره الزجاج من الحكم، وإطلاق النور على ما في التوراة مجاز، ولعل إطلاقه على ذلك دون إطلاقه على القرآن بناءاً على أن النور مقول بالتشكيك، وقد يقال: إن إطلاقه على ما به بيان أمر النبـي صلى الله عليه وسلم ـ بناءاً على ما قال الزجاج ـ باعتبار كون الأمر المبين متعلقاً بأول الأنوار الذي لولاه ما خلق الفلك الدوار صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ يكون الفرق بين الإطلاقين مثل الصبح ظاهراً، والظرف خبر مقدم، و { هُدًى } مبتدأ، والجملة حال من { ٱلتَّوْرَٰةَ } أي كائناً فيها ذلك، وكذلك جملة { يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ } في قول إلا أنها حال مقدرة، والأكثرون على أنها مستأنفة مبينة لرفعة رتبة التوراة وسمو طبقتها، والمراد من النبيين من كان منهم من لدن موسى إلى عيسى عليهما الصلاة والسلام على ما رواه ابن أبـي حاتم عن مقاتل، وكان بين النبيين عليهما السلام ألف نبـي. وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن المراد بهم نبينا صلى الله عليه وسلم ومن قبله من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام، وعلى هذا بنى الإستدلال بالآية من قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر غير مرة، والمراد: يحكم بأحكامها النبيون.

{ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ } صفة أجريت على النبيين ـ كما قيل ـ على سبيل المدح، والظاهر لهم، ونظر فيه ابن المنير «بأن المدح إنما يكون غالباً بالصفات الخاصة التي يتميز بها الممدوح عمن دونه، والإسلام أمر عام يتناول أمم الأنبياء ومتبعيهم كما يتناولهم، ألا ترى أنه لا يحسن في مدح النبـي صلى الله عليه وسلم أن يقتصر على كونه رجلاً مسلماً؛ فإن أقل متبعيه كذلك، ثم قال: فالوجه ـ والله تعالى أعلم ـ / أن الصفة قد تذكر لتعظم في نفسها، ولينوه بها إذا وصف بها عظيم القدر، كما تذكر تنويهاً بقدر موصوفها،... وعلى هذا الأسلوب جرى وصف الأنبياء عليهم السلام بالصلاح في غير ما آية تنويهاً بمقدار الصلاح إذ جعل صفة للأنبياء عليهم السلام، وبعثاً لآحاد الناس على الدأب في تحصيل صفته، وكذلك قيل في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7