الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } شروع في بيان حكم السرقة الصغرى بعد بيان أحكام الكبرى، وقد تقدم بيان اقتضاء الحال لإيراد ما توسط بينهما من المقال، والكلام جملتان ـ عند سيبويه ـ إذ التقدير / فيما يتلى عليكم ـ السارق والسارقة ـ أي حكمهما، وجملة عند المبرد، وقرأ عيسى بن عمر بالنصب، وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر ـ لأن زيداً فأضربه أحسن من زيد فأضربه ـ قاله الزمخشري، واتبعه من تبعه ومنهم ابن الحاجب.

وتعقبه العلامة أحمد في «الانتصاف» بكلام كله محاسن فلا بأس في نقله برمته، فنقول. قال فيه: «المستقرأ من وجوه القراآت أن العامة لا تتفق فيها أبداً على العدول عن الأفصح، وجدير بالقرآن أن (يحرز) أفصح الوجوه وأن لا يخلو من الأفصح و [ما] يشتمل عليه كلام العرب الذي لم يصل أحد منهم إلى ذروة فصاحته ولم يتعلق بأهدابها، وسيبويه يحاشى من اعتقاد عراء القرآن عن الأفصح واشتمال الشاذ الذي لا يعدّ من القرآن عليه، ونحن نورد الفصل من كلام سيبويه على هذه الآية ليتضح لسامعه براءة سيبويه من عهدة هذا النقل، قال سيبويه في ترجمة باب الأمر والنهي بعد أن ذكر المواضع التي يختار فيها النصب وملخصها: أنه متى بني الاسم على فعل الأمر فذاك موضع اختيار النصب، ثم قال كالموضح لامتياز هذه الآية عما اختار (فيه) النصب: وأما قوله عز وجل: { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } وقوله تعالى:ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ } [النور: 2] فإن هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثال قوله عز وجل:مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } ثم قال سبحانه بعد:فِيهَا أَنْهَارٌ } [محمد: 15] منها كذا، يريد سيبويه تمييز هذه الآي عن المواضع التي بين اختيار النصب فيها، ووجه التمييز أن الكلام حيث يختار النصب يكون الاسم فيه مبنياً على الفعل، وأما في هذه الآي فليس بمبني عليه فلا يلزم فيه اختيار النصب، ثم قال: وإنما وضع المثل للحديث الذي ذكره بعده فذكر أخباراً وقصصاً، فكأنه قال: ومن القصص ـ مثل الجنة ـ فهو محمول على هذا الإضمار والله تعالى أعلم، وكذلك الزانية والزاني لما قال جل ثناؤه:سُورَةٌ أَنزَلْنَـٰهَا وَفَرَضْنَـٰهَا } [النور: 1] قال جل وعلا في جملة الفرائض: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى } ثم جاءفَٱجْلِدُواْ } [النور: 2] بعد أن مضى فيهما الرفع ـ يريد سيبويه ـ لم يكن الاسم مبنياً على الفعل المذكور بعد، بل بني على محذوف متقدم، وجاء الفعل طارئاً، ثم قال: كما جاء ـ وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم، فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر، وكذلك { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } [كأنه قال] فيما فرض عليكم السارق والسارقة وإنما (دخلت هذه الأسماء) بعد قصص وأحاديث، وقد قرأ أناس { وَٱلسَّارِقَ وَٱلسَّارِقَةَ } بالنصب وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة، ولكن أبت العامة إلا الرفع، يريد إن قراءة النصب جاء الاسم فيها مبنياً على الفعل غير معتمد على متقدم، فكان النصب قوياً بالنسبة إلى الرفع، حيث يبنى الاسم على الفعل لا على متقدم، وليس يعني أنه قوي بالنسبة إلى الرفع، حيث يعتمد الاسم على المحذوف المتقدم، فإنه قد بين أن ذلك يخرجه عن الباب الذي يختار فيه النصب، فكيف يفهم عنه ترجيحه عليه، والباب مع (القرائن) مختلف، وإنما يقع الترجيح بعد التساوي في الباب، فالنصب أرجح من الرفع حيث يبنى الاسم على الفعل، والرفع متعين ـ لا أقول أرجح ـ حيث يبنى الاسم على كلام متقدم، وإنما التبس على الزمخشري كلام سيبويه من حيث اعتقد أنه باب واحد عنده، ألا ترى إلى قوله: لأن زيداً فأضربه أحسن من زيد فأضربه، كيف رجح النصب على الرفع، حيث يبنى الكلام في الوجهين على الفعل، وقد صرح سيبويه بأن الكلام في الآية مع الرفع مبني على كلام متقدم، ثم حقق [سيبويه] هذا المقدار بأن الكلام واقع بعد قصص وأخبار، ولو كان كما ظنه الزمخشري لم يحتج سيبويه إلى تقدير، بل كان يرفعه على الابتداء، ويجعل الأمر خبره ـ كما أعربه الزمخشري ـ فالملخص ـ على / هذا ـ أن النصب على وجه واحد، وهو بناء الاسم على فعل الأمر، والرفع على وجهين، أحدهما: ضعيف وهو الابتداء، وبناء الكلام على الفعل، والآخر: قوي بالغ كوجه النصب، وهو رفعه على خبر ابتداء محذوف دل عليه السياق، وإذا تعارض لنا وجهان في الرفع، أحدهما قوي والآخر ضعيف تعين حمل القراءة على القوي كما أعربه سيبويه رحمه الله تعالى ورضي عنه» انتهى.

السابقالتالي
2 3 4