الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ إِنَّمَا جَزَٰؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ذهب أكثر المفسرين ـ كما قال الطبرسي، وعليه جملة الفقهاء ـ إلى أنها نزلت في قطاع الطريق، والكلام ـ كما قال الجصاص ـ على حذف مضاف أي يحاربون أولياء الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام فهو كقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [الأحزاب: 57] / ويدل على ذلك أنهم لو حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا مرتدين بإظهار محاربته ومخالفته عليه الصلاة والسلام، وقيل: المراد يحاربون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الله تعالى للتمهيد والتنبيه على رفعة محله عليه الصلاة والسلام عنده عز وجل، ومحاربة أهل شريعته وسالكي طريقته من المسلمين محاربة له صلى الله عليه وسلم فيعم الحكم من يحاربهم بعد الرسول عليه الصلاة والسلام ولو بأعصار كثيرة بطريق العبارة لا بطريق الدلالة أو القياس كما يتوهم، لأن ورود النص ليس بطريق خطاب المشافهة حتى يختص بالمكلفين حين النزول ويحتاج في تعميمه إلى دليل آخر على ما تحقق في الأصول، وقيل: ليس هناك مضاف محذوف وإنما المراد محاربة المسلمين إلا أنه جعل محاربتهم محاربة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم تعظيماً له وترفيعاً لشأنهم، وجعل ذكر الرسول على هذا تمهيداً على تمهيد، وفيه ما لا يخفى، والحرب في الأصل السلب والأخذ، يقال: حربه إذا سلبه، والمراد به هٰهنا قطع الطريق؛ وقيل: الهجوم جهرة باللصوصية وإن كان في مصر { وَيَسْعَوْنَ } عطف على { يُحَارِبُونَ } ، وبه يتعلق قوله تعالى: { فِى ٱلأَرْضِ } ، وقيل: بقوله سبحانه: { فَسَاداً } وهو إما حال من فاعل { يَسْعَوْنَ } بتأويله بمفسدين. أو ذوي فساد. أو لا تأويل قصداً للمبالغة كما قيل، وإما مفعول له أي لأجل الفساد، وإما مصدر مؤكد ـ ليسعون ـ لأنه في معنى يفسدون، و { فَسَاداً } إما مصدر حذف منه الزوائد أو اسم مصدر.

وقوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَٰؤُاْ } مبتدأ خبره المنسبك من قوله تعالى: { أَن يُقَتَّلُواْ } أي حداً من غير صلب إن أفردوا القتل، ولا فرق بين أن يكون بآلة جارحة أو لا، والاتيان بصيغة التفعيل لما فيه من الزيادة على القصاص من أنه لكونه حق الشرع لا يسقط بعفو الولي، وكذا التصليب في قوله سبحانه: { أَوْ يُصَلَّبُواْ } لما فيه من القتل أي يصلبوا مع القتل إن جمعوا بين القتل والأخذ وقيل: صيغة التفعيل في الفعلين للتكثير، والصلب قبل القتل بأن يصلبوا أحياءاً وتبعج بطونهم برمح حتى يموتوا، وأصح قولي الشافعي عليه الرحمة أن الصلب ثلاثاً بعد القتل، قيل: إنه يوم واحد. وقيل: حتى يسييل صديده، والأولى أن يكون على الطريق في ممر الناس ليكون ذلك زجراً للغير عن الاقدام على مثل هذه المعصية.

السابقالتالي
2 3