الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }

{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } أي ما ذكر في تضاعيف القصة، و { مِنْ } ابتدائية متعلقة بقوله تعالى: { كَتَبْنَا } أي قضينا، وقيل: بالنادمين وهو ظاهر ما روي عن نافع، و { كَتَبْنَا } استئناف، واستبعده أبو البقاء وغيره. و ـ الأجل بفتح الهمزة وقد تكسر، وقرىء به ـ لكن بنقل الكسرة إلى النون كما قرىء بنقل الفتحة إليها في الأصل ـ الجناية يقال: أجل عليهم شراً إذا جنى عليهم جناية، وفي معناه جرّ عليهم جريرة، ثم استعمل في تعليل الجنايات، ثم اتسع فيه فاستعمل لكل سبب أي من ذلك ابتداء الكتب ومنه نشأ لا من غيره. { عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } وتخصيصهم بالذكر لما أن الحسد كان منشأ لذلك الفساد وهو غالب عليهم. وقيل: إنما ذكروا دون الناس لأن التوراة أول كتاب نزل فيه تعظيم القتل، ومع ذلك كانوا أشد طغياناً فيه وتمادياً حتى قتلوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكأنه قيل: بسبب هذه العظيمة كتبنا في التوراة تعظيم القتل، وشددنا عليهم وهم بعد ذلك لا يبالون. ومن هنا تعلم أن هذه الآية لا تصلح ـ كما قال الحسن والجبائي وأبو مسلم ـ على أن ابني آدم عليه السلام كانا من بني إسرائيل، على أن بعثة الغراب الظاهر في التعليم المستغني عنه في وقتهم لعدم جهلهم فيه بالدفن ـ تأبى ذلك { أَنَّهُ } أي الشأن { مَن قَتَلَ نَفْساً } واحدة من النفوس الإنسانية { بِغَيْرِ نَفْسٍ } أي بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص، والباء للمقابلة متعلقة بقتل، وجوز أن تتعلق بمحذوف وقع حالاً أي متعدياً ظالماً { أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأَرْضِ } أي فساد فيها يوجب هدر الدم كالشرك مثلاً، وهو عطف على ما أضيف إليه / ـ غير ـ والنفي هنا وارد على الترديد لأن إباحة القتل مشروطة بأحد ما ذكر من القتل والفساد، ومن ضرورته اشتراط حرمته بانتفائهما معا فكأنه قيل: من قتل بغير أحدهما:

{ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } لاشتراك الفعلين في هتك حرمة الدماء والاستعصاء على الله تعالى والتجبر على القتل في استتباع القود واستجلاب غضب الله تعالى العظيم. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود أن هذا التشبيه عند المقتول كما أن التشبيه الآتي عند المستنقذ، والأول أولى وأنسب للغرض المسوق له التشبيه، وقرىء ـ أو فساداً ـ بالنصب بتقدير أو عمل فساداً ـ أو فسد فساداً { وَمَنْ أَحْيَاهَا } أي تسبب لبقاء نفس واحدة موصوفة بعدم ما ذكر من القتل والفساد إما بنهي قاتلها عن قتلها. أو استنقاذها من سائر أسباب الهلكة بوجه من الوجوه { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } ، وقيل: المراد ومن أعان على استيفاء القصاص فكأنما الخ، و { مَا } في الموضعين كافة مهيئة لوقوع الفعل بعدها، و { جَمِيعاً } حال من { ٱلنَّاسِ } أو تأكيد، وفائدة التشبيه الترهيب والردع عن قتل نفس واحدة بتصويره بصورة قتل جميع الناس، والترغيب والتحضيض على إحيائها بتصويره بصورة إحياء جميع الناس.

السابقالتالي
2