الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ }

{ إِنّى أُرِيدُ أَنْ تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ } تعليل آخر لامتناعه عن البسط، ولما كان كل منهما علة مستقلة لم يعطف أحدهما على الآخر إيذاناً بالاستقلال ودفعاً لتوهم أن يكون جزء علة لاعلة تامة، ((وأصل البوء اللزوم، وفي «النهاية»: أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي أي ألتزم وأرجع وأقر))، والمعنى إني أريد باستسلامي وامتناعي عن التعرض لك أن ترجع بإثمي أي تتحمله لو بسطت يدي إليك حيث كنت السبب له، وأنت الذي علمتني الضرب والقتل، وإثمك حيث بسطت إلي يدك، وهذا نظير ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً (( " المستبان ما قالا فعلى البادىء ما لم يعتد المظلوم " أي على البادىء إثم سبه، ومثل إثم سب صاحبه لأنه كان سبباً فيه إلا أن الإثم محطوط عن صاحبه معفو عنه لأنه مكافىء مدافع عن عرضه، ألا ترى إلى قوله: «ما لم يعتد المظلوم» لأنه إذا خرج من حدّ المكافأة واعتدا لم يسلم)) كذا في «الكشاف»، قيل: وفيه نظر لأن حاصل ما قرره أن على البادىء إثمه ومثل إثم صاحبه إلا أن يتعدى الصاحب فلا يكون هذا المجموع على البادىء، ولا دلالة فيه على أن المظلوم إذ لم يتعد كان إثمه المخصوص بسببه ساقطاً عنه اللهم إلا بضميمة تنضم إليه، وليس في اللفظ ما يشعر بها، ورده في «الكشف» بأنه كيف لا يدل على سقوطه عنه، وقوله عليه الصلاة والسلام: «فعلى البادىء» مخصص ظاهر، وقول «الكشاف»: «إلا أن الإثم محطوط» تفسير لقوله: «فعلى البادىء» وقوله: فعليه إثم سبه، ومثل إثم سب صاحبه تفسير لقوله: ما قالا، فكما يدل على أن عليه إثماً مضاعفاً يدل على أن إثم صاحبه ساقط. هذا ثم قال: ولعل الأظهر في الحديث أن لا يضمر المثل، والمعنى إثم سبابهما على البادىء، وكان ذلك لئلا يلتزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، والقول: بأنه إذا لم يكن لما قاله غير البادىء إثم، فيكف يقال: إثم سبابهما، وكيف يضاف إليه الإثم مشترك الإلزام؟ وتحقيقه أن لما قاله غير البادىء إثماً وليس على البادىء، وليس بمناف لقوله تعالى:وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [الأنعام: 164] لأنه بحمله عليه عدّ جانياً، وهذا كما ورد فيمن سن سنة حسنة أو سنة سيئة، نعم فيما نحن فيه العامل لا إثم له إنما هو للحامل، والحاصل أن سب غير البادىء يترتب عليه شيئان، أحدهما بالنسبة إلى فاعله وهو ساقط إذا كان على وجه الدفع دون اعتداء، والثاني: بالنسبة إلى حامله عليه وهو غير ساقط أعني أنه يثبت ابتداءاً لا أنه لا يعفى، وأورد في «التحقيق» أن ما ذكره من حط الإثم من المظلوم لأنه مكافىء غير صحيح لأنه إذا سب شخص لم يستوف الجزاء إلا بالحاكم، والجواب أن صريح الحديث يدل على ما ذكر في «الكشاف»، والجمع بينه وبين الحكم الفقهي أن السب إما أن يكون بلفظ يترتب عليه الحد شرعاً فذلك سبيله الرفع إلى الحاكم، أو بغير ذلك وحينئذ لا يخلو إما أن يكون كلمة إيحاش أو امتنان أو تفاخر بنسب ونحوه مما يتضمن إزراء بنسب صاحبه من دون شتم ـ كنحو الرمي بالكفر والفسق ـ فله أن يعارضه بالمثل، ويدل عليه حديث زينب وعائشة رضي الله تعالى عنهما، وقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة: / «دونك فانتصري» أو يتضمن شتماً فذلك أيضاً يرفع إلى الحاكم ليعزره، والحديث محمول على القسم الذي يجري فيه الانتصار، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما لم يعتد المظلوم» يدل عليه لأنه إذا كان حقه الرفع إلى الحاكم فاشتغل بالمعارضة عد متعدياً انتهى، وهو تفصيل حسن.

السابقالتالي
2