الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ يَٰأَهْلَ ٱلْكتَـٰب } تكرير للخطاب بطريق الإلتفات ولطف في الدعوة، وقيل: الخطاب هنا لليهود خاصة { قَدْ جَاءَكُم رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ } على التدريج حسبما تقتضيه المصلحة ـ الشرائع والأحكام النافعة معاداً ومعاشاً ـ المقرونة بالوعد والوعيد، وحذف هذا المفعول اعتماداً على الظهور إذ من المعلوم أن ما يبينه الرسول هو الشرائع والأحكام، ويجوز أن ينزل الفعل منزلة اللازم أي يفعل البيان ويبذله لكم في كل ما تحتاجون فيه من أمور الدين، وأما إبقاؤه متعدياً مع تقدير المفعول { كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } كما قيل، فقد قيل فيه: مع كونه تكريراً من غير فائدة يرده قوله سبحانه: { عَلَى فَتْرَة مِّنَ ٱلرُّسُل } فإن فتور الإرسال وانقطاع الوحي إنما يحوج إلى بيان الشرائع والأحكام لا إلى بيان ما كتموه، و { على فترة } متعلق ـ بجاءكم ـ على الظرفية كما في قوله تعالى:وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ } [البقرة: 102] أي جاءكم على حين فتور من الإرسال وانقطاع الوحي ومزيد الاحتياج إلى البيان. وجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من ضمير { يبين } أو من ضمير { لكم } أي يبين لكم حال كونه على فترة، أو حال كونكم على فترة. و { من الرسل } صفة { فترة } و { من } ابتدائية، أي فترة كائنة من الرسل مبتدأة من جهتهم، والفترة فعلة من فتر عن عمله يفتر فتوراً إذا سكن، والأصل فيها الإنقطاع عما كان عليه من الجد في العمل، وهي عند جميع المفسرين انقطاع ما بين الرسولين.

واختلفوا في مدتها بين نبينا صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام، فقال قتادة: كان بينهما عليهما الصلاة والسلام خمسمائة سنة وستون سنة، وقال الكلبـي: خمسمائة وأربعون سنة، وقال ابن جريج: خمسمائة سنة، وقال الضحاك: أربعمائة سنة وبضع وثلاثون سنة، وأخرج ابن عساكر عن سلمان رضي الله تعالى عنه أنها ستمائة سنة، وقيل: كان بين نبينا صلى الله عليه وسلم وأخيه عيسى عليه السلام ثلاثة أنبياء هم المشار إليهم بقوله تعالى:أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } [ يسۤ: 14]، وقيل: بينهما عليهما الصلاة والسلام أربعة: الثلاثة المشار إليهم، وواحد من / العرب من بني عبس ـ وهو خالد بن سنان عليه السلام ـ الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: " ذلك نبـي ضيعه قومه " ولا يخفى أن الثلاثة الذين أشارت إليهم الآية رسل عيسى عليه السلام ونسبة إرسالهم إليه تعالى بناءاً على أنه كان بأمره عز وجل، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك؛ وأما خالد بن سنان العبسي فقد تردد فيه الراغب في «محاضراته»، وبعضهم لم يثبته، وبعضهم قال: إنه كان قبل عيسى عليهما الصلاة والسلام لأنه ورد في حديث

السابقالتالي
2