الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ } تحقيق للحق وتنبيه بما فيه من تقديم الظرف المفيد للحصر على كذب النصارى وفساد ما زعموه في حق المسيح وأمه عليهما السلام. وقيل: استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام السابق كأنه قيل: من يملك ذلك ليعطيهم إياه؟ فقيل: { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } الخ فهو المالك والقادر على الإعطاء ولا يخفى بعده. وفي إيثار { مَا } على من المختصة بالعقلاء على تقدير تناولها للكل مراعاة ـ كما قيل ـ للأصل وإشارة إلى تساوي الفريقين في استحاله الربوبية حسب تساويهما في تحقق المربوبية. وعلى تقدير اختصاصها بغير العقلاء كما يشير إليه خبر ابن الزبعرى رضي الله تعالى عنه تنبيه على كمال قصورهم من رتبة الألوهية، وفي تغليب غير العقلاء على العقلاء على خلاف المعروف ما لا يخفى من حط قدرهم.

{ وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء } من الأشياء { قَدِيرٌ } أي مبالغ في القدرة. وفسرها الغزالي بالمعنى الذي به يوجد الشيء متقدراً بتقدير الإرادة والعلم واقعاً على وفقهما، وفسر الموصوف بها على الإطلاق بأنه الذي يخترع كل موجود اختراعاً ينفرد به ويستغني به عن معاونة غيره وليس ذاك إلا الله تعالى الواحد القهار. والظرف متعلق بقدير والتقديم لمراعاة الفاصلة، ولا يخفى ما في ذكر كبرياء الله تعالى وعزته وقهره وعلوه في آخر هذه السورة من حسن الاختتام، وأخرج أبو عبيد عن أبـي الزاهرية أن عثمان رضي الله تعالى عنه كتب في آخر المائدة (ولله ملك السماوات والأرض والله سميع بصير).

ومن باب الإشارة في الآيات: { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } هي عندهم حضرة الجمع المحرمة على الأغيار، وقيل: قلب المؤمن، وقيل: الكعبة المخصوصة لا باعتبار أنها جدران أربعة وسقف بل باعتبار أنها مظهر جلال الله تعالى. وقد ذكروا أنه سبحانه يتجلى منها لعيون العارفين كما يشير إليه قوله عز شأنه على ما في التوراة جاء الله تعالى من سينا فاستعلن بساعير وظهر من فاران { قِيَاماً لّلنَّاسِ } من موتهم الحقيقي لما يحصل لهم بواسطة ذلك { وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } وهو زمن الوصول أو مراعاة القلب أو الفوز بذلك التجلي الذي يحرم فيه ظهور صفات النفس أو الالتفات إلى مقتضيات القوى الطبيعية أو نحو ذلك { وَٱلْهَدْىَ } وهي النفس المذبوحة بفناء حضرة الجمع أو الواردات الإلٰهية التي ترد القلب أو ما يحصل للعبد من المنن عند ذلك التجلي { وَٱلْقَلَـٰئِدَ } وهي النفس الشريفة المنقادة أو هي نوع مما يحصل للعبد من قبل مولاه يقوده قسراً إلى ترك السوى { ذٰلِكَ لِتَعْلَمُواْ } بما يحصل لكمأَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ }

السابقالتالي
2 3 4