الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } منصوب بـٱذْكُرْ } [المائدة: 110] على أنه ابتداء كلام لبيان ما جرى بينه عليه الصلاة والسلام وبين قومه منقطع عما قبله كمال يشير إليه الإظهار في مقام الاضمار. وجوز أن يكون ظرفاً لِـقَالُواْ } [المائدة: 111] وفيه ـ على ما قيل حينئذ ـ تنبيه على أن ادعاءهم الإخلاص مع قولهم { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } لم يكن عن تحقيق منهم ولا عن معرفة بالله تعالى وقدرته سبحانه لأنهم لو حققوا وعرفوا لم يقولوا ذلك إذ لا يليق مثله بالمؤمن بالله عز وجل. وتعقب هذا القول الحلبي بأنه خارق للإجماع. وقال ابن عطية لا خلاف أحفظه في أنهم كانوا مؤمنين وأيد ذلك بقوله تعالى:فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ } [المائدة: 115] وبأن وصفهم بالحواريين ينافي أن يكونوا على الباطل وبأن الله تعالى أمر المؤمنين بالتشبه بهم والاقتداء بسنتهم في قوله عز من قائل:كُونُواْ أَنصَـٰرَ ٱللَّهِ } [الصف: 14] الآية وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح الزبير " إن لكل نبي حوارياً وإن حواريَّ الزبير " والتزم القول بأن الحواريين فرقتان مؤمنون وهم خالصة عيسى عليه الصلاة والسلام / والمأمور بالتشبه بهم وكافرون وهم أصحاب المائدة، وسؤال عيسى عليه الصلاة والسلام نزول المائدة وإنزالها ليلزمهم الحجة يحتاج إلى نقل ولم يوجد. ومن ذلك أجيب عن الآية بأجوبة فقيل: إن معنى { هَلْ يَسْتَطِيعُ } هل يفعل كما تقول للقادر على القيام: هل تستطيع أن تقوم مبالغة في التقاضي. ونقل هذا القول عن الحسن. والتعبير عن الفعل بالاستطاعة من التعبير عن المسبب بالسبب إذ هي من أسباب الايجاد. وعلى عكسه التعبير عن إرادة الفعل بالفعل تسمية للسبب الذي هو الإرادة باسم المسبب الذي هو الفعل في مثل قوله تعالى:إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } [المائدة: 6] الخ. وقيل: إن المعنى هل يطيع ربك فيستطيع بمعنى يطيع ويطيع بمعنى يجيب مجازاً ونقل ذلك عن السدي. وذكر أبو شامة أن النبـي صلى الله عليه وسلم عاد أبا طالب في مرض فقال له: يا ابن أخي ادع ربك أن يعافيني فقال: اللهم اشف عمي فقام كأنما نشط من عقال فقال: يا ابن أخي إن ربك الذي تعبده يطيعك فقال: يا عم وأنت لو أطعته لكان يطيعك أي يجيبك لمقصودك وحسن استعماله صلى الله عليه وسلم لذلك المشاكلة. وقيل: هذه الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإرادة فكأنهم قالوا: هل إرادة الله تعالى وحكمته تعلقت بذلك أولا؟ لأنه لا يقع شيء بدون تعلقهما به.

واعترض بأن قوله تعالى الآتي: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُؤمِنين } لا يلائمه لأن السؤال عن مثله مما هو من علوم الغيب لا قصور فيه.

السابقالتالي
2