الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ فَإِنْ عُثِرَ } أي اطلع يقال عثر الرجل على الشيء عثوراً إذا اطلع عليه. وقال الغوري: تقول عثرت إذا اطلعت على ما كان خفياً وهو مجاز بحسب الأصل من قولهم: عثر إذا كبا وذلك أن العاثر ينظر إلى موضع عثاره فيعرفه ويطلع عليه، وقال الليث: إن مصدر عثر بمعنى اطلع العثور وبمعنى كبا العثار وحينئذ يخفى القول بالمجاز لأن اختلاف المصدر ينافيه فلا تتأتى تلك الدعوى إلا على ما قاله الراغب من اتحاد المصدرين، وفي «القاموس» «عثر كضرب ونصر وعِلم وكُرم عَثْراً وعَثِيراً وعِثاراً كبا. والعثور الإطلاع كالعثر» وظاهر هذا أن لا مجاز. ويفهم منه أيضاً الاتحاد في بعض المصادر فافهم، والمراد فإن عثر بعد التحليف.

{ عَلَىٰ أَنَّهُمَا } أي الشاهدين الحالفين { ٱسْتَحَقَّا إِثْماً } أي فعلاً ما يوجبه من تحريف وكتم بأن ظهر بأيديهما شيء من التركة وادعيا استحقاقهما له بوجه من الوجوه، وقال الجبائي: الكلام على حذف مضاف أي استحقا عقوبة إثم { فَآخَرَانِ } أي فرجلان آخران. وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: { يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا } والفاء جزائية وهي إحدى مصوغات الإبتداء بالنكرة. ولا محذور في الفصل بالخبر بين المبتدأ وصفته وهو قوله سبحانه: { مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ } ، وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف أي فالشاهدان آخران، وجملة { يِقُومَانُ } صفته والجار والمجرور صفة أخرى؛ وجوز أبو البقاء أن يكون حالاً من ضمير { يِقُومَانُ } ، وقيل: هو فاعل فعل محذوف أي فليشهد آخران وما بعده صفة له، وقيل: مبتدأ خبره الجار والمجرور، والجملة الفعلية صفته وضمير { مَقَامَهُمَا } في جميع هذه الأوجه مستحق للذين استحقا. وليس المراد بمقامهما مقام أداء الشهادة التي تولياها ولم يؤدياها كما هي بل هو مقام الحبس والتحليف، و { ٱسْتَحَقَّ } بالبناء للفاعل قراءة عاصم في رواية حفص عنه وبها قرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وأبـي رضي الله تعالى عنهم وفاعله { ٱلأَوْلَيَانِ } ، والمراد من الموصول أهل الميت ومن الأوليين الأقربان إليه الوارثان له الأحقان بالشهادة لقربهما واطلاعهما وهما في الحقيقة الآخران القائمان مقام اللذين استحقا إثماً إلا أنه أقيم المظهر مقام ضميرهما للتنبيه على وصفهما بهذا الوصف.

/ ومفعول { ٱسْتَحَقَّ } محذوف واختلفوا في تقديره فقدره الزمخشري أن يجردوهما للقيام بالشهادة ليظهروا بهما كذب الكاذبين، وقدره أبو البقاء وصيتهما، وقدره ابن عطية مالهم وتركتهم. وقال الإمام: إن المراد بالأوليان الوصيان اللذان ظهرت خيانتهما. وسبب أولويتهما أن الميت عينهما للوصية فمعنى { ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلاْوْلَيَانِ } خان في مالهم وجنى عليهم الوصيان اللذان عثر على خيانتهما. وعلى هذا لا ضرورة إلى القول بحذف المفعول، وقرأ الجمهور { ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلاْوْلَيَانِ } ببناء استحق للمفعول. واختلفوا في مرجع ضميره والأكثرون أنه الإثم، والمراد من الموصول الورثة لأن استحقاق الإثم عليهم كناية عن الجناية عليهم ولا شك أن الذين جنى عليهم وارتكب الذنب بالقياس إليهم هم الورثة، وقيل: إنه الإيصاء، وقيل: الوصية لتأويلها بما ذكر، وقيل: المال، وقيل: إن الفعل مسند إلى الجار والمجرور، وكذا اختلفوا في توجيه رفع { ٱلاْوْلَيَانِ } فقيل: إنه مبتدأ خبره آخران أي الأوليان بأمر بالميت آخران، وقيل: بالعكس، واعترض بأن فيه الإخبار عن النكرة بالمعرفة وهو مما اتفق على منعه في مثله، وقيل: خبر مبتدأ مقدر أي هما الآخران على الاستئناف البياني، وقيل: بدل من (آخران)، وقيل: عطف بيان عليه، ويلزمه عدم اتفاق البيان والمبين في التعريف والتنكير مع أنهما شرطوه فيه حتى من جوز تنكيره، نعم نقل عن نزر عدم الاشتراط، وقيل: هو بدل من فاعل { يِقُومَانُ }.

السابقالتالي
2 3 4 5