الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

{ قَدْ سَأَلَهَا } أي المسألة فالضمير في موقع المصدر لا المفعول به، والمراد سأل مثلها في كونها محظورة ومستتبعة للوبال { قَوْمٌ } وعدم التصريح بالمثل للمبالغة في التحذير، وجوز أن يكون الضمير للأشياء على تقدير المضاف أيضاً فالضمير في موقع المفعول به وذلك من باب الحذف والإيصال والمراد سأل عنها، وقيل: لا حاجة إلى جعله من ذلك الباب لأن السؤال هنا استعطاء وهو يتعدى بنفسه كقولك: سألته درهماً بمعنى طلبته منه لا استخبار كما في صدر الآية، واختلف في تعيين القوم. فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه هم قوم عيسى عليه الصلاة والسلام سألوه إنزال المائدة ثم كفروا بها، وقيل: هم قوم صالح عليه السلام سألوه الناقة ثم عقروها وكفروا بها، وقيل: هم قوم موسى عليه السلام سألوه أن يريهم الله تعالى جهرة أو سألوه بيان البقرة. وعن مقاتل هم بنو إسرائيل مطلقاً كانوا يسألون أنبياءهم عن أشياء فإذا أخبروهم كذبوهم. وعن السدي هم قريش سألوا النبـي صلى الله عليه وسلم أن يحول الصفا ذهباً، وقال الجبائي: كانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم عن أنسابهم فإذا أخبرهم عليه الصلاة والسلام لم يصدقوا ويقولوا: ليس الأمر كذلك، ولا يخفى عليك الغث والسمين من هذه الأقوال وأن بعضها يؤيد حمل السؤال على الاستعطاء وبعضها يؤيد حمله على الاستخبار، والحمل على الاستخبار أولى، وإلى تعينه ذهب بعض العلماء.

{ مِن قَبْلِكُمْ } متعلق بسألها، وجوز كونه متعلقاً بمحذوف وقع صفة لقوم، واعترض / بأن ظرف الزمان لا يكون صفة الجثة ولا حالاً منها ولا خبراً عنها، وأجيب بأن التحقيق أن هذا مشروط إذا عدمت الفائدة أما إذا حصلت فيجوز كما إذا أشبهت الجثة المعنى في تجددها ووجودها وقتاً دون وقت نحو الليلة الهلال بخلاف زيد يوم السبت وما نحن فيه مما فيه فائدة لأن القوم لا يعلم هل هم ممن مضى أم لا؟ وقال أبو حيان وهو تحقيق بديع غفلوا عنه: «هذا المنع إنما هو في [ظرف] الزمان المجرد عن الوصف أما إذا تضمن وصفاً فيجوز كقبل وبعد فإنهما وصفان في الأصل فإذا قلت جاء زيد قبل عمرو فالمعنى جاء في زمان قبل زمان مجيئه أي متقدم عليه ولذا وقع صلة للموصول، ولو لم يلحظ فيه الوصف وكان ظرف زمان مجرد لم يجز أن يقع صلة ولا صفة. قال تعالى:وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [البقرة: 21] ولا يجوز والذين اليوم» وما نحن فيه من المتضمن لا المجرد وهو ظاهر، وما قيل من أنه ليس من المتنازع فيه في شيء لأن الواقع صفة هو الجار والمجرور لا الظرف نفسه ليس بشيء لأن دخول الجار عليه إذا كان من أو في لا يخرجه عن كونه في الحقيقة هو الصفة أو نحوها فليفهم.

{ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا } أي بسببها، وهو متعلق بقوله سبحانه وتعالى: { كَـٰفِرِينَ } قدم عليه رعاية للفواصل. وقرأ أبـي (قد سألها قوم بينت لهم فأصبحوا بها كافرين).