الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }

{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } أي تقاتلوا، وكان الظاهر اقتتلتا بضمير التثنية كما في قوله تعالى: { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } أي بالنصح وإزالة الشبهة إن كانت والدعاء إلى حكم الله عز وجل. والعدول إلى ضمير الجمع لرعاية المعنى فإن كل طائفة من الطائفتين جماعة فقد روعي في الطائفتين معناهما أولاً ولفظهما ثانياً على / عكس المشهور في الاستعمال، والنكتة في ذلك ما قيل: إنهم أولاً في حال القتال مختلطون فلذا جمع أولاً ضميرهم وفي حال الصلح متميزون متفارقون فلذا ثني الضمير.

وقرأ ابن أبي عبلة { اقتتلتا } بضمير التثنية والتأنيث كما هو الظاهر. وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير { اقتتلا } بالتثنية والتذكير باعتبار أن الطائفتين فريقان.

{ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا } تعدت وطلبت العلو بغير الحق { عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ } ولم تتأثر بالنصيحة { فَقَـٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيء } أي ترجع { إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي إلى حكمه أو إلى ما أمر سبحانه به وقرأ الزهري { حتى تفي } بغير همز وفتح الياء وهو شاذ كما قالوا في مضارع جاء يجي بغير همز فإذا أدخلوا الناصب فتحوا الياء أجروه مجرى يفي مضارع وفى شذوذاً. وفي تعليق القتال بالموصول للإشارة إلى علية ما في حيز الصلة أي فقاتلوها لبغيها { فَإِن فَاءَتْ } أي رجعت إلى أمره تعالى وأقلعت عن القتال حذراً من قتالكم { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ } بفصل ما بينهما على حكم الله تعالى ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما عسى أن يكون بينهما قتال في وقت آخر. وتقييد الإصلاح هنا بالعدل لأنه مظنة الحيف لوقوعه بعد المقاتلة وقد أكد ذلك بقوله تعالى: { وَأَقْسِطُواْ } أي اعدلوا في كل ما تأتون وما تذرون { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } فيجازيهم أحسن الجزاء.

وفي «الكشاف» في الإصلاح بالعدل والقسط تفاصيل، إن كانت الباغية من قلة العدد بحيث لا منعة لها ضمنت بعد الفيئة ما جنت، وإن كانت كثيرة ذات منعة وشوكة لم تضمن إلا عند محمد بن الحسن فإنه كان يفتي بأن الضمان يلزمها إذا فاءت، وأما قبل التجمع والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها فما جنته ضمنته عند الجميع فمحمل الإصلاح بالعدل على مذهب محمد واضح منطبق على لفظ التنزيل، وعلى قول غيره وجهه أن يحمل على كون الفئة قليلة العدد، والذي ذكروا من أن الفرض إماتة الضغائن وسل الأحقاد دون ضمان الجنايات ليس بحسن الطباق للمأمور به من إعمال العدل ومراعاة القسط.

قال في «الكشف»، لأن ما ذكروه من إماتة الأضغان داخل في قوله تعالى: { فَإِن فَاءتْ } لأنه من ضرورات التوبة، فإعمال العدل والقسط إنما يكون في تدارك الفرطات ثم قال: والأولى على قول الجمهور أن يقال: الإصلاح بالعدل أنه لا يضمن من الطرفين فإن الباغي معصوم الدم والمال مثل العادل لا سيما وقد تاب فكما لا يضمن العادل المتلف لا يضمنه الباغي الفائي، هذا مقتضى العدل لا تخصيص الضمان بطرف دون آخر.

السابقالتالي
2 3