الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } شروع في النهي عن التجاوز في كيفية القول عند النبـي صلى الله عليه وسلم بعد النهي عن التجاوز في نفس القول والفعل. وإعادة النداء مع قرب العهد به للمبالغة في الإيقاظ والتنبيه والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه أي لا تبلغوا بأصواتكم وراء حد يبلغه عليه الصلاة والسلام بصوته.

وقرأ ابن مسعود { لا ترفعوا بأصواتكم } بتشديد { تَرْفَعُواْ } وزيادة الباء وقد شدد الأعلم الهذلي في قوله:
رفعت عيني بالحجا   زإلى أناس بالمناقب
/ والتشديد فيه للمبالغة كزيادة الباء في القراءة إلا أن ليس المعنى فيها أنهم نهوا عن الرفع الشديد تخيلاً أن يكون ما دون الشديد مسوغاً لهم، ولكن المعنى نهيهم عما كانوا عليه من الجلبة واستجفاؤهم فيما كانوا يفعلون، وهو نظير قوله تعالى:يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرّبَا أَضْعَـٰفاً مُّضَـٰعَفَةً } [آل عمران: 130].

{ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } أي جهراً كائناً كالجهر الجاري فيما بينكم، فالأول نهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم وهذا نهي عن مساواة جهرهم لجهره عليه الصلاة والسلام فإنه المعتاد في مخاطبة الأقران والنظراء بعضهم لبعض، ويفهم من ذلك وجوب الغض حتى تكون أصواتهم دون صوته صلى الله عليه وسلم، وقيل: الأول مخصوص بمكالمته صلى الله عليه وسلم لهم وهذا بصمته عليه الصلاة والسلام كأنه قيل: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوته إذا نطق ونطقتم ولا تجهروا له بالقول إذا سكت وتكلمتم، ويفهم أيضاً وجوب كون أصواتهم دون صوته عليه الصلاة والسلام، فأياً ما كان يكون المآل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته صلى الله عليه وسلم وتعهدوا في مخاطبته اللين القريب من الهمس كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظم وحافظوا على مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها، ومن هنا قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه بعد نزول الآية كما أخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه من طريق أبـي سلمة عن أبـي هريرة: «والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله تعالى». وفي رواية أنه قال: يا رسول الله والله لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى الله تعالى، وكان إذا قدم على رسول الله عليه الصلاة والسلام الوفود أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله تعالى عنه كما في «صحيح البخاري» وغيره عن ابن الزبير إذا تكلم عند النبـي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه.

السابقالتالي
2 3 4