الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } أي هو أو ذلك الرسول المرسل بالهدي ودين الحق محمد على أن الاسم الشريف خبر مبتدأ محذوف و { رَسُولِ ٱللَّهِ } عطف بيان أو نعت أو بدل، والجملة استئناف مبين لقوله تعالى:هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ } [الفتح: 28] وهذا هو الوجه الأرجح الأنسب بالمساق كما في «الكشف» ويؤيده نظراً إلى بعض ما يأتي من الأوجه إن شاء الله تعالى قراءة ابن عامر في رواية { رسول } بالنصب على المدح. وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } مبتدأ خبره قوله سبحانه: { أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } وقال أبو حيان: ((الظاهر أن { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } مبتدأ وخبر)) والجملة عليه مبنية للمشهود به، أما على كونه الرسالة فظاهر، وأما على كونه محقق الوعد فقيل: لأن كينونة ما وعده لازمة لكونه عليه الصلاة والسلام رسول الله إذ هو لا يوعد إلا بما هو محقق ولا يخبر إلا عن كل صدق. وجوز كون { مُحَمَّدٌ } مبتدأ و { رَّسُول } تابعاً له { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } عطفاً عليه والخبر عنه وعنهم قوله تعالى: { أَشِدَّاء } الخ. وقرأ الحسن { أشداء } { رحماء } بنصبهما فقيل على المدح وقيل على الحال، والعامل فيهما العامل في { مَعَهُ } فيكون الخبر على هذا الوجه جملة { تَرَاهُمْ } الآتي وكذا خبر { ٱلَّذِينَ } على الوجه الأول.

والمراد بالذين معه عند ابن عباس من شهد الحديبية، وقال الجمهور: جميع أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم. و { أَشِدَّاء } جمع شديد و { رُحَمَاء } جمع رحيم، والمعنى أن فيهم غلظة وشدة على أعداء الدين ورحمة ورقة على إخوانهم المؤمنين. وفي وصفهم بالرحمة بعد وصفهم بالشدة تكميل واحتراس فإنه لو اكتفى بالوصف الأول لربما توهم أن مفهوم القيد غير معتبر فيتوهم الفظاظة والغلظة مطلقاً فدفع بأرداف الوصف الثاني، ومآل ذلك أنهم مع كونهم أشداء على الأعداء رحماء على الإخوان، ونحوه قوله تعالى:أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } [المائدة: 54] وعلى هذا قوله:
حليم إذا ما الحلم زين أهله   على أنه عند العدو مهيب
وقد بلغ كما روى عن الحسن من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمناً إلا صافحه وعانقه.

والمصافحة لم يختلف فيها الفقهاء. أخرج أبو داود عن البراء قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان / فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما " وفي رواية الترمذي " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد