الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أن تصلوا إليه وتطوفوا به { وَٱلْهَدْيَ } بالنصب عطف على الضمير المنصوب في { صَدُّوكُمْ } أي وصدوا الهدي وهو ما يهدى إلى البيت، قال الأخفش: الواحدة هدية ويقال للأنثى هدي كأنه مصدر وصف به. وفي «البحر» ((إسكان داله لغة قريش وبها قرأ الجمهور، وقرأ ابن هرمز والحسن وعصمة عن عاصم واللؤلوي وخارجة عن أبـي عمرو بكسر الدال وتشديد الياء وذلك لغة)). وهو فعيل بمعنى مفعول على ما صرح به غير واحد. وكان هذا الهدي سبعين بدنة على ما هو المشهور، وقال مقاتل: كان مائة بدنة. وقرأ الجعفي عن أبـي عمرو { الهدي } بالجر على أنه عطف على (المسجد الحرام) بحذف المضاف أي ونحر الهدي. وقرىء بالرفع على إضمار وصد الهدي.

وقوله سبحانه: { مَعْكُوفاً } حال من { ٱلْهَدْي } على جميع القراآت، وقيل: على قراءة الرفع يجوز أن يكون { ٱلْهَدْيِ } مبتدأ والكلام نحو حُكْمُكَ مسَّمطاً وقوله تعالى:وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } [يوسف: 8] على قراءة النصب وهو كما ترى. والمعكوف المحبوس يقال: عكفت الرجل عن حاجته حبسته عنها، وأنكر أبو علي تعدية عكف وحكاها ابن سيده والأزهري وغيرهما، وظاهر ما في الآية / معهم.

وقوله تعالى: { أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } بدل اشتمال من { ٱلْهَدْيِ } كأنه قيل: وصدوا بلوغ الهدي محله أو صدوا عن بلوغ الهدي أو وصد بلوغ الهدي حسب اختلاف القراآت، وجوز أن يكون مفعولاً من أجله للصد أي كراهة أن يبلغ محله، وأن يكون مفعولاً من أجله مجروراً بلام مقدرة ـ لمعكوفاً ـ أي محبوساً لأجل أن يبلغ محله ويكون الحبس من المسلمين، وأن يكون منصوباً بنزع الخافض وهو من أو عن أي محبوساً من أو عن أن يبلغ محله فيكون الحبس من المشركين على ما هو الظاهر.

ومَحِلُّ الهدي مكان يحل فيه نحره أي يسوغ أو مكان حلوله أي وجوبه ووقوعه كما نقل عن الزمخشري، والمراد مكانه المعهود وهو منى، أما على رأي الشافعي رضي الله تعالى عنه فلأن مكانه لمن منع حيث منع فيكون قد بلغ محله بالنسبة إلى النبـي صلى الله عليه وسلم ومن معه ولذا نحروا هناك أعني في الحديبية، وأما على رأي أبـي حنيفة رضي الله تعالى عنه فلأن مكانه الحرم مطلقاً وبعض الحديبية حرم عنده؛ وقد رووا أن مضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الحل منها ومصلاه في الحرم والنحر قد وقع فيما هو حرم فيكون الهدي بالغاً محله غير معكوف عن بلوغه فلا بد من إرادة المعهود ليتسنى ذلك. وزعم الزمخشري أن الآية دليل لأبـي حنيفة على أن الممنوع محل هديه الحرم ثم تكلم بما لا يخفى حاله على من راجعه.

السابقالتالي
2 3 4 5