الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً }

{ بَلْ ظَنَنْتُمْ } إلى قوله تعالى: { بُوراً } وفي «الانتصاف» أن في قوله تعالى:فَمَن يَمْلِكُ } [الفتح:11] الخ لفاً ونشراً والأصل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو من يحرمكم النفع أن إراد بكم نفعاً لأن من يملك يستعمل في الضر كقوله تعالى:فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ } [المائدة: 17]وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [المائدة: 41]فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } [الأحقاف: 8]، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في بعض الحديث: " إني لا أملك لكم شيئاً " يخاطب عشيرته وأمثاله كثير. وسر اختصاصه بدفع المضرة أن الملك مضاف في هذه المواضع باللام ودفع المضرة نفع يضاف للمدفوع عنه وليس كذلك حرمان المنفعة فإنه ضرر عائد عليه لا له فإذا ظهر ذلك فإنما انتظمت الآية على هذا الوجه كذلك لأن القسمين يشتركان في أن كل واحد منهما نفي لدفع المقدور من خير وشر فلما تقاربا أدرجا في عبارة واحدة؛ وخص عبارة دفع الضر لأنه هو المتوقع لهؤلاء إذ الآية في سياق التهديد والوعيد الشديد وهي نظير قوله تعالى:قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } [الأحزاب: 17] فإن العصمة إنما تكون من السوء لا من الرحمة، فهاتان الآيتان توأمتان في التقرير المذكور انتهى، والوجه ما ذكرناه أولاً في الآية، وفي تسمية مثل هذا لفاً ونشراً نظر.

ثم إن الظاهر عموم الضر والنفع، وقال شيخ الإسلام أبو السعود: ((المراد بالضر ما يضر من هلاك الأهل والمال وضياعهما وبالنفع ما ينفع من حفظ المال والأهل وتعميمهما يرده قوله تعالى:بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } [الفتح: 11] فإنه إضراب عما قالوه وبيان لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدقه)) انتهى، وهو كلام أوهى من بيت العنكبوت لأن في التعميم إفادة لما ذكر وزيادة تفيد قوة وبلاغة. والظاهر أن كلاً من الإضرابات الثلاثة مقصودة، وقال شيخ الإسلام: إن قوله تعالى: { بَلْ ظَنَنْتُمْ } الخ بدل منكَانَ ٱللَّهُ } [الفتح: 11] الخ مفسر لما فيه من الإبهام. وفي «البحر» أنه بيان للعلة في تخلفهم أي بل ظننتم { أَن لَّن يَنقَلِبَ } أي لن يرجع من ذلك السفر { ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ } أي عشائرهم وذوي قرباهم { أَبَدًا } بأن يستأصلهم المشركون بالمرة فحسبتم أن كنتم معهم أن يصيبكم ما يصيبهم فلأجل ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة.

والأهلون جمع أهل وجمعه جمع السلامة على خلاف القياس لأنه ليس بعلم ولا صفة من صفات من يعقل ويجمع على أهلات بملاحظة تاء التأنيث في مفرده تقديراً فيجمع كتمرة وتمرات ونحوه أرض وأرضات، وقد جاء على ما في «الكشاف» أهلة بالتاء ويجوز تحريك عينه أيضاً فيقال: أهلات بفتح الهاء، وكذا يجمع على أهال كليال، وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع؛ وقيل: وهو إطلاق منه في الجمع الوارد على خلاف القياس وإلا فاسم الجمع شرطه عند النحاة أن يكون على وزن المفردات سواء كان له مفرد أم لا.

السابقالتالي
2