الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

{ ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلاء } أي أنتم أيها المخاطبون هؤلاء الموصوفون بما تضمنه قوله تعالى:إِن يَسْأَلْكُمُوهَا } [محمد: 37] الخ، والجملة مبتدأ وخبر وكررت (ها) التنبيهية للتأكيد، وقوله سبحانه: { تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الخ استئناف مقرر ومؤكد لذلك لاتحاد محصل معناهما، فإن دعوتهم للإنفاق هو سؤل الأموال منهم وبخل ناس منهم هو معنى عدم الإعطاء المذكور مجملاً أولاً، أو صلة لهؤلاء على أنه بمعنى الذين فإن اسم الإشارة يكون موصولاً مطلقاً عند الكوفيين وأما البصريون فلم يثبتوا اسم الإشارة موصولاً إلا إذا تقدمه (ما) الاستفهامية باتفاق أو (من) الاستفهامية باختلاف، والإنفاق في سبيل الله تعالى هو الإنفاق المرضي له تعالى شأنه مطلقاً فيشمل النفقة للعيال والأقارب والغزو وإطعام الضيوف والزكاة وغير ذلك وليس مخصوصاً بالإنفاق للغزو أو بالزكاة كما قيل.

{ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } أي ناس يبخلون { وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } فلا يتعدى ضرر بخله إلى غيرها يقال: بخلت عليه وبخلت عنه لأن البخل فيه معنى المنع ومعنى التضييق على من منع عنه المعروف والإضرار فناسب أن يعدى بعن للأول وبعلى للثاني، وظاهر أن من منع المعروف عن نفسه فإضراره عليها فلا فرق بين اللفظين في الحاصل، وقال الطيبـي: يمكن أن يقال يبخل عن نفسه على معنى يصدر البخل عن نفسه لأنها مكان البخل ومنبعه كقوله تعالى:وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } [الحشر: 9] وهو كما ترى.

{ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ } لا غيره عز وجل { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء } الكاملون في الفقر فما يأمركم به سبحانه فهو لاحتياجكم إلى ما فيه من المنافع التي لا تقتضي الحكمة إيصالها بدون ذلك فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم.

وقوله تعالى: { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } عطف على قوله سبحانه: { إِن تُؤْمِنُواْ } أي وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى { يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } يخلق مكانكم قوماً آخرين وهو كقوله تعالى:وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } [فاطر: 16] { ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم } في التولي عن الإيمان والتقوى بل يكونون راغبين فيهما. و(ثم) للتراخي حقيقة أو لبعد المرتبة عما قبل.

والمراد بهؤلاء القوم أهل فارس، فقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبـي حاتم والطبراني في «الأوسط» والبيهقي في «الدلائل» والترمذي وهو حديث صحيح على شرط مسلم عن أبـي هريرة قال: " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } الخ فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونون أمثالنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس "

السابقالتالي
2