الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ }

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما مر من الإضلال والتكفير والإصلاح وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: { بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَـٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبّهِمْ } أي ذلك كائن بسبب اتباع الأولين الباطل واتباع الآخرين الحق. والمراد بالحق والباطل معناهما المشهور. وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد تفسير الباطل بالشيطان. وفي «البحر» قال مجاهد: الباطل الشيطان وكل ما يأمر به و { ٱلْحَقّ } هو الرسول والشرع، وقيل: الباطل ما لا ينتفع به. وجوز الزمخشري كون ذلك خبر مبتدأ محذوف و { بِأَنَّ } الخ في محل نصب على الحال، والتقدير الأمر ذلك أي كما ذكر ملتبساً بهذا السبب. والعامل في الحال إما معنى الإشارة وإما نحو أثبته وأحقه فإن الجملة تدل على ذلك لأنه مضمون كل خبر وتعقبه أبو حيان بأن فيه ارتكاباً للحذف من غير داع له، والجار والمجرور أعني { مّن رَّبّهِمُ } في موضع الحال على كل حال، والكلام أعني قوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ } إلى قوله سبحانه: { مّن رَّبّهِمُ } تصريح بما أشعر به الكلام السابق من السببية لما فيه من البناء على الموصول، ويسميه علماء البيان التفسير، ونظيره ما أنشده الزمخشري لنفسه:
به فجع الفرسان فوق خيولهم   كما فجعت تحت الستور العواتق
تساقط من أيديهم البيض حيرة   وزعزع عن أجيادهن المخانق
فإن فيه تفسيراً على طريق اللف والنشر كما في الآية وهو من محاسن الكلام.

{ كَذٰلِكَ } أي مثل ذلك الضرب البديع { يَضْرِبُ ٱللَّهُ } أي يبين { لِلنَّاسِ } أي لأجلهم { أَمْثَـٰلَهُمْ } أي أحوال الفريقين المؤمنين والكافرين وأوصافهما الجارية في الغرابة مجرى الأمثال، وهي اتباع المؤمنين الحق وفوزهم وفلاحهم، واتباع الكافرين الباطل وخيبتهم وخسرانهم، وجوز أن يراد بضرب الأمثال التمثيل والتشبيه بأن جعل سبحانه اتباع الباطل مثلاً لعمل الكفار والإضلال مثلاً لخيبتهم واتباع الحق مثلاً لعمل المؤمنين وتكفير السيآت مثلا لفوزهم والإشارة بذلك لما تضمنه الكلام السابق، وجوز كون ضمير { أَمْثَـٰلَهُمْ } للناس.