الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ }

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى المخاطبين بطريق الالتفات إيذاناً بأن ذكر هناتهم أوجب إسقاطهم عن درجة الخطاب ولو على جهة التوبيخ وحكاية أقوالهم الفظيعة لغيرهم، وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهِ } أي أبعدهم من رحمته عز وجل { فَأَصَمَّهُمْ } عن استماع الحق لتصامهم عنه لسوء اختيارهم { وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ } لتعاميهم عما يشاهدونه من الآيات المنصوبة في الأنفس والآفاق.

وجاء التركيب { فَأَصَمَّهُمْ } ولم يأت فأصم آذانهم كما جاء { وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ } أو وأعماهم كما جاء فأصمهم، قيل: لأن الأذن لو أصيبت بقطع أو قلع لسمع الكلام فلم يحتج إلى ذكر الأذن، والبصر وهو العين لو أصيب لامتنع الإبصار فالعين لها مدخل في الرؤية والأذن لا مدخل لها في السمع انتهى وهو كما ترى. وقال الخفاجي: لأنه إذا ذكر الصمم لم يبق حاجة إلى ذكر الآذان، وأما العمى فلشيوعه في البصر / والبصيرة حتى قيل: إنه حقيقة فيهما وهو ظاهر ما في «القاموس» فإذا كان المراد أحدهما حسن تقييده. وقيل في وجه ذلك بناء على كون العمى حقيقة فيما كان في البصر: إن نحو أعمى الله أبصارهم بحسب الظاهر من باب أبصرته بعيني وهو يقال في مقام يحتاج إلى التأكيد، ولما كان أولئك الذين حكى حالهم في أمر الجهاد غير ظاهر إعماؤهم ظهور إصمامهم كيف وفي الآيات السابقة ما يؤذن بعدم انتفاعهم بالمسموع من القرآن وهو من آثار إصمامهم وليس فيها ما يؤذن بعدم انتفاعهم بالآيات المرئية المنصوبة في الأنفس والآفاق الذي هو من آثار إعمائهم ناسب أن يسلك في كل من الجملتين ما سلك مع ما في سلوكه في الأخير من رعاية الفواصل وهو أدق مما قبل.

هذا والأرحام جمع رَحِم بفتح الراء وكسر الحاء وهي على ما في «القاموس» القرابة أو أصلها وأسبابها، وقال الراغب: ((الرحم رحم المرأة أي بيت منبت ولدها ووعاؤه ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة))، ويقال للأقارب ذوو رحم كما يقال لهم أرحام، وقد صرح ابن الأثير بأن ذا ((الرحم يقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب ويطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء))؛ والمذكور في كتبها تفسيره بكل قريب ليس بذي سهم ولا عصبة وعدوا من ذلك أولاد الأخوات لأبوين أو لأب وعمات الآباء وظاهر كلام الأئمة في قوله عليه الصلاة والسلام «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» دخول الأبوين والولد في ذي الرحم لغة حيث أجمعوا على أنهم يعتقون على من ملكهم لهذا الخبر وإن اختلفوا في عتق غيرهم. وصرح ابن حجر الهيتمي في «الزواجر» بأن الأولاد من الأرحام.

السابقالتالي
2 3 4 5 6