الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ }

{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } حرصاً على الجهاد لما فيه من الثواب الجزيل فالمراد بهم المؤمنون الصادقون { لَوْلاَ نُزّلَتْ سُورَةٌ } أي هلا أنزلت سورة يؤمر فيها بالجهاد ـ فلولا ـ تحضيضية، وعن ابن مالك أن { لا } زائدة والتقدير لو أنزلت سورة وليس بشيء.

{ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ } أي بطريق الأمر به، والمراد ـ بمحكمة ـ مبنية لا تشابه ولا احتمال فيها لوجه آخر سوى وجوب القتال، وفسرها الزمخشري بغير منسوخة الأحكام. وعن قتادة كل سورة فيها القتال فهي محكمة وهو أشد القرآن على المنافقين وهذا أمر استقرأه قتادة من القرآن لا بخصوصية هذه الآية والمتحقق أن آيات القتال غير منسوخة وحكمها باق إلى يوم القيامة. وقيل: محكمة بالحلال والحرام.

وقرىء { نَزَلَتْ سورة } بالبناء للفاعل من نزل الثلاثي المجرد ورفع { سُورةٌ } على الفاعل. وقرأ زيد بن علي { نَزَلَتْ } كذلك إلا أنه نصب { سورةً محكمةً } ، وخرج ذلك على كون الفاعل ضمير السورة، و { سورةً محكمةً } نصب على الحال. وقرأ هو وابن عمير { وَذَكَرَ } مبنياً للفاعل وهو ضميره تعالى / { القتالَ } بالنصب على أنه مفعول به.

{ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } أي نفاق، وقيل: ضعف في الدين { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } أي نظر المحتضر الذي لا يطرف بصره، والمراد تشخص أبصارهم جبناً وهلعاً، وقيل: يفعلون ذلك من شدة العداوة له عليه الصلاة والسلام، وقيل: من خشية الفضيحة فإنهم إن تخلفوا عن القتال افتضحوا وبان نفاقهم. وقال الزمخشري: كانوا يدعون الحرص على الجهاد ويتمنونه بألسنتهم ويقولون: لولا أنزلت سورة في معنى الجهاد فإذا أنزلت وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه كاعوا وشق عليهم وسُقِطَ في أيديهم كقوله تعالى:فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ } [النساء: 77] والظاهر ما ذكرناه أولاً من أن القائلين هم الذين أخلصوا في إيمانهم وإنما عرا المنافقين ما عرا عند نزول أمر المؤمنين بالجهاد لدخولهم فيهم بحسب ظاهر حالهم، وقد جوز هو أيضاً إرادة الخلص من الذين آمنوا لكن كلامه ظاهر في ترجح ما ذكره أولاً عنده والظاهر أن في الكلام عليه إقامة الظاهر مقام المضمر. وجوز أن يكون المطلوب في قوله تعالى: { لَوْلاَ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } إنزال سورة مطلقاً حيث كانوا يستأنسون بالوحي ويستوحشون إذا أبطأ، وروي نحوه عن ابن جريج. أخرج ابن المنذر عنه أنه قال في الآية: كان المؤمنون يشتاقون إلى كتاب الله تعالى وإلى بيان ما ينزل عليهم فيه فإذا نزلت السورة يذكر فيها القتال رأيت يا محمد المنافقين ينظرون إليك الخ.

السابقالتالي
2