الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }

{ فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاّ ٱللَّهِ } مسبب عن مجموع القصة من مفتتح السورة لا عن قوله تعالى:هَلْ يَنظُرُونَ } [محمد: 18] كأنه قيل: إذا علمت أن الأمر كما ذكر من سعادة هؤلاء وشقاوة هؤلاء فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية فهو من موجبات السعادة، وفسر الأمر بالعلم بالثبات عليه لأن علمه صلى الله عليه وسلم بالتوحيد لا يجوز أن يترتب على ما ذكره سبحانه من الأحوال فإنه عليه الصلاة والسلام موحد عن علم حال ما يوحى إليه ولأن المعنى: فتمسك بما أنت فيه من موجبات السعادة لا باطلب السعادة، وقال بعض الأفاضل: إن الثبات أيضاً حاصل له عليه الصلاة والسلام فأمره بذلك صلى الله عليه وسلم تذكير له بما أنعم الله تعالى عليه توطئة لما بعده، وتعقب بأن المراد بالثبات الاستمرار وهو بالنظر إلى الأزمنة الآتية وذلك وإن كان مما لا بد من حصوله له عليه الصلاة والسلام لمكان العصمة لكن المعصوم يؤمر ويُنهى فيأتي بالمأمور ويترك المنهي ولا بد للعصمة.

والأمر في قوله تعالى: { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } قيل على معنى الثبات أيضاً، وجعل الاستغفار كناية عما يلزمه من التواضع وهضم النفس والاعتراف بالتقصير لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم أو مغفور لا مصر ذاهل عن الاستغفار، وقيل: التحقيق أنه توطئة لما بعده من الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات؛ ولعل الأولى إبقاؤه على الحقيقة من دون جعله توطئة، والنبـي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الاستغفار، أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن حبان عن الأغر المزني رضي الله تعالى عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليغان على قلبـي وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة " وأخرج النسائي وابن ماجه وغيرهما عن أبـي موسى قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت الله فيها مائة مرة " وأخرج أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وجماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: " إنا كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة " وفي لفظ «التواب الغفور» إلى غير ذلك من الأخبار الصحيحة.

والذنب بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام ترك ما هو الأولى بمنصبه الجليل ورب شيء حسنة من شخص سيئة من آخر كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين؛ وقد ذكروا أن لنبينا صلى الله عليه وسلم في كل لحظة عروجاً إلى مقام أعلى مما كان فيه فيكون ما عرج منه في نظره الشريف ذنباً بالنسبة إلى ما عرج إليه فيستغفر منه، وحملوا على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد