الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } * { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ }

{ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ } إلى طريق الحق { زَادَهُمْ } أي الله عز وجل { هُدىً } بالتوفيق والإلهام. والموصول يحتمل الرفع على الابتداء والنصب بفعل محذوف يفسره المذكور و { هُدىً } مفعول ثان لأن زاد قد يتعدى لمفعولين، ويحتمل أن يكون تمييزاً والأول هو الظاهر. وتنوينه للتعظيم أي هدى عظيماً { وَءاتَـٰهُمْ تَقُوَاهُمْ } أي أعطاهم تقواهم إياه جل شأنه بأن خلقها فيهم بناءً على ما يقوله الأشاعرة في أفعال العباد أو بأن خلق فيهم قدرة عليها مؤثرة في فعلها بإذنه سبحانه على ما نسبه الكوراني إلى الأشعري، وسائر المحققين في أفعال العباد من أنها بقدرة خلقها الله تعالى فيهم مؤثرة بإذنه تعالى، وقول بعضهم: بأن جعلهم جل شأنه متقين له سبحانه يمكن تطبيقه على كل من القولين، وقال البيضاوي: أي بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم أو أعطاهم جزاءها فالإيتاء عنده مجاز عن البيان أو الإعانة أو هو على حقيقته والتقوى مجاز عن جزائها لأنها سببه أو فيه مضاف مقدر وليس في شيء من ذلك ما يأباه مذهب أهل الحق، وذكر الزمخشري الثاني والثالث من ذلك، واختار الطيبـي الأول من هذين الاثنين وقال: هو أوفق لتأليف النظم الكريم لأن أغلب آيات هذه السورة الكريمة روعي فيها التقابل فقوبلأُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [محمد: 16] بقوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدىً } لأن الطبع يحصل من تزايد الرين وترادف ما يزيد في الكفر، وقوله تعالى:وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } [محمد: 16] بقوله جل وعلا: { وَءاتَـٰهُمْ تَقُوَاهُمْ } فيحمل على كمال التقوى وهو أن يتنزه العارف عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه سبحانه بشراشره وهو التقوى الحقيقية المعنية بقوله تعالى:ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102] فإن المزيد على مزيد الهدى مزيد لا مزيد عليه، وفي الترفع عن متابعة الهوى النزوع إلى المولى والعزوب عن شهوات الحياة الدنيا. ثم في إسناد إيتاء التقوى إليه تعالى وإسناد متابعة الهوى إليهم إيماء إلى معنى قوله تعالى حكاية:وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [الشعراء: 80] وتلويح إلى أن متابعة الهوى مرض روحاني وملازمة التقوى دواء إلهي انتهى. وما ذكره من التقابل جار فيما ذكرناه أيضاً، وكذا يجري التقابل على تفسير إيتاء التقوى ببيان ما يتقون لإشعار الكلام عليه بأن ما هم فيه ليس من ارتكاب الهوى والتشهي بل هو أمر حق مبني على أساس قوي. وتفسير ذلك بإعطاء جزاء التقوى مروي عن سعيد بن جبير وذهب إليه الجبائي، والكلام عليه أفيد وأبعد عن التأكيد من غير حاجة إلى حمل التقوى على أعلى مراتبها، وأمر التقابل هين فإنه قد يقال: إن قوله تعالى: { ٱهْتَدَوْاْ } في مقابلة { ٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } وقوله سبحانه: { زَادَهُمْ هُدىً } في مقابلة { طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } فليتدبر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6