الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ }

{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ } إنكار لأن يكون أضل من المشركين، وذكر بعض الفضلاء أن المراد نفي أن يكون أحد يساويهم في الضلالة وإن كان سبك التركيب لنفي الأضل، وقد مر ما يتعلق بذلك فتذكر أي هو أضل من كل ضال حيث ترك دعاء المجيب القادر المستجمع لجميع صفات الكمال كما يشعر بذلك الاسم الجليل ودعا من ليس شأنه الاستجابة له وإسعافه بمطلوبه { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي ما دامت الدنيا، وظاهره أنه بعدها تقع الاستجابة وليس بمراد لتحقق ما يدل على خلافه، فهذه الغاية على ما في «الانتصاف» ((من الغايات المشعرة بأن ما بعدها وإن وافق ما قبلها إلا أنه أزيد منه زيادة بينة تلحقه بالمباين حتى كأن الحالتين وإن كانتا نوعاً واحداً لتفاوت ما بينهما كالشيء وضده، وذلك أن الحالة الأولى التي جعلت غايتها القيامة لا تزيد على عدم الاستجابة، والحالة الثانية التي في القيامة زادت على عدم الاستجابة بالعداوة وبالكفر بعبادتهم إياهم كما ينطق به ما بعد فهو من وادي قوله تعالى: في سورة [الزخرف: 29]بَلْ مَتَّعْتُ هَـؤُلاَء وَءابَاءهُمْ } الآية))، ونحوه قوله سبحانه في إبليس:وإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدّينِ } [ص: 78] وقد يقال: المراد بهذه الغاية التأبيد كما قيل في قوله تعالى:خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتُ } [هود: 107] وقولهم: ما دام ثبير.

وقال بعضهم: لا إشكال في الآية لأن الغاية مفهوم فلا تعارض المنطوق، وفيه بحث، ففي «الدرر» و «الينبوع» عن «البديع» أن الغاية عندنا من قبيل إشارة النص لا المفهوم. وقال الزركشي في «شرح جمع الجوامع»: ذهب القاضي أبو بكر إلى أن الحكم في الغاية منطوق وادعى أن أهل اللغة صرحوا بأن تعليق الحكم بالغاية موضوع على أن ما بعدها خلاف ما قبلها لأنهم اتفقوا على أنها ليست كلاماً مستقلاً فإن قوله تعالى:حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } [البقرة: 230] وقوله سبحانه:حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } [البقرة: 222] لا بد فيه من إضمار لضرورة تتميم الكلام؛ وذلك أن المضمر إما ضد ما قبله أو لا والثاني باطل لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه فيقدر حتى يطهرن فاقربوهن، حتى تنكح زوجاً غيره فتحل، قال: والمضمر بمنزلة الملفوظ فإنه إنما / يضمر لسبقه إلى ذهن العارف باللسان، وعليه جرى صاحب «البديع» من الحنفية فقال: هو عندنا من دلالة الإشارة لا من المفهوم، لكن الجمهور على أنه مفهوم ومنعوا وضع اللغة لذلك انتهى، ويعلم من هذا أن قوله في «التلويح»: إن مفهوم الغاية متفق عليه لا يخلو من الخلل.

{ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ } الضمير الأول: لمفعول { يَدْعُواْ } أعني { مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ } والثاني: لفاعله، والجمع فيهما باعتبار معنى { مِنْ } كما أن الإفراد فيما سبق باعتبار لفظها أي والذين يدعون من لا يستجيبون لهم عن دعائهم إياهم { غَـٰفِلُونَ } لا يسمعون ولا يدرون، أما إن كان المدعو جماداً فظاهر، وأما إن كان من ذوي العقول فإن كان من المقبولين المقربين عند الله تعالى فلاشتغاله عن ذلك بما هو فيه من الخير أو كونه في محل ليس من شأن الذي فيه أن يسمع دعاء الداعي للبعد كعيسى عليه الصلاة والسلام اليوم أو لأن الله تعالى يصون سمعه عن سماع ذلك لأنه لكونه مما لا يرضي الله تعالى يؤلمه لو سمعه، وإن كان من أعداء الله تعالى كشياطين الجن والإنس الذين عبدوا من دون الله تعالى فإن كان ميتاً فلاشتغاله بما هو فيه من الشر، وقيل: لأن الميت ليس من شأنه السماع ولا يتحقق منه سماع إلا معجزة كسماع أهل القليب، وفي هذا كلام تقدم بعضه؛ وإن كان حياً فإن كان بعيداً مثلاً فالأمر ظاهر، وإن كان قريباً سليم الحاسة فقيل: الكلام بالنسبة إليه بعد تأويل الغفلة بعدم السماع وعلى التغليب لندرة هذا الصنف.

السابقالتالي
2