الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

والفاء في قوله تعالى: { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } واقعة في جواب شرط مقدر أي إذا كان عاقبة أمر الكفرة ما ذكر فاصبر على ما يصيبك من جهتهم أو إذا كان الأمر على ما تحققته من قدرته تعالى الباهرة فاصبر، وجوز غير واحد كونها عاطفة لهذه الجملة على ما تقدم، والسببية فيها ظاهرة واقتصر في «البحر» على كونها لعطف هذه الجملة على أخبار الكفار في الآخرة؛ وقال: ((المعنى بينهما مرتبط كأنه قيل: هذه حالهم فلا تستعجل أنت واصبر ولا تخف إلا الله عز وجل))، والعزم يطلق على الجد والاجتهاد في الشيء وعلى الصبر عليه، و { مِنْ } بيانية كما فيفَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } [الحج: 30] والجار والمجرور في موضع الحال من { ٱلرُّسُلَ } فيكون أولوا العزم صفة جميعهم، وإليه ذهب ابن زيد والجبائي وجماعة أي فاصبر كما صبر الرسل المجدون المجتهدون في تبليغ الوحي الذين لا يصرفهم عنه صارف ولا يعطفهم عنه عاطف والصابرون على أمر الله تعالى فيما عهده سبحانه إليهم أو قضاه وقدره عز وجل عليهم بواسطة أو بدونها.

وعن عطاء الخراساني والحسن بن الفضل والكلبـي ومقاتل وقتادة وأبـي العالية وابن جريج، وإليه ذهب أكثر المفسرين أن { مِنْ } للتبعيض فأولوا العزم بعض الرسل عليهم السلام، واختلف في عدتهم وتعيينهم على أقوال، فقال الحسن بن الفضل: ثمانية عشر وهم المذكورون في سورة [الأنعام: 90] لأنه سبحانه قال بعد ذكرهم:فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } وقيل: تسعة نوح عليه السلام صبر على أذى قومه طويلاً، وإبراهيم عليه السلام صبر على الإلقاء في النار، والذبيح عليه السلام صبر على ما أريد / به من الذبح، ويعقوب عليه السلام صبر على فقد ولده، ويوسف عليه السلام صبر على البئر والسجن وأيوب عليه السلام صبر على البلاء، وموسى عليه السلام قال له قومه:إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [الشعراء: 61] فقال:إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء: 62] وداود عليه السلام بكى على خطيئته أربعين سنة وعيسى عليه السلام لم يضع لبنة على لبنة وقال: إنها يعني الدنيا معبرة فاعبروها ولا تعمروها، وقيل: سبعة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى عليهم السلام، وقيل: ستة وهم الذين أمروا بالقتال وهم نوح وهود وصالح وموسى وداود وسليمان، وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس، وعن مقاتل أنهم ستة ولم يذكر حديث الأمر بالقتال وقال: هم نوح وإبراهيم وإسحٰق ويعقوب ويوسف وأيوب. وأخرج ابن عساكر عن قتادة أنهم نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى عليهم السلام. وظاهره القول بأنهم خمسة، وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عنه أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وظاهره القول بأنهم أربعة وهذا أصح الأقوال.

السابقالتالي
2