الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }

{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ إِحْسَـٰناً } نزلت كما أخرج ابن عساكر من طريق الكلبـي عن أبـي صالح عن ابن عباس في أبـي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه / إلى قوله تعالى:وَعْدَ ٱلصّدْقِ ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ } [الأحقاف: 16].

{ وإحساناً } قيل: مفعول ثان لوصينا على تضمينه معنى ألزمنا، وقيل: منصوب على المصدر على تضمين { وَصَّيْنَا } معنى أحسنا أي أحسنا بالوصية للإنسان بوالديه إحساناً، وقيل: صفة لمصدر محذوف بتقدير مضاف أي إيصاء ذا إحسان، وقيل: مفعول له أي وصيناه بهما لإحساننا إليهما، وقال ابن عطية: إنه منصوب على المصدر الصريح و { بِوٰلِدَيْهِ } متعلق بوصينا، أو به وكأنه عنى يحسن إحساناً وهو حسن، لكن تعقب أبو حيان تجويزه تعلق الجار بإحساناً ((بأنه لا يصح لأنه مصدر مقدر بحرف مصدري والفعل فلا يتقدم معموله عليه ولأن أحسن لا يتعدى بالباء وإنما يتعدى باللام تقول: أحسنت لزيد ولا تقول: أحسنت بزيد على معنى أن الإحسان يصل إليه))، وفيه أنا لا نسلم أن المقدر بشيء يشارك ما قدر به في جميع الأحكام لجواز أن يكون بعض أحكامه مختصاً بصريح لفظه مع أن الظرف يكفيه رائحة الفعل ولذا يعمل الاسم الجامد فيه باعتبار لمح المعنى المصدري، وقد قالوا: إنه يتصرف فيه ما لا يتصرف في غيره لاحتياج معظم الأشياء إليه. والجار والمجرور محمول عليه، وقد كثر ما ظاهره التعلق بالمصدر المتأخر نكرة كـوَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } [النور: 2] ومعرفة نحوفَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } [الصافات: 102] وتأويل كل ذلك تكلف، وأيضاً قوله: لأن أحسن لا يتعدى بالباء الخ فيه منع ظاهر، وقدر بعضهم الفعل قبل الجار فقال: وصينا الإنسان بأن يحسن بوالديه إحساناً، ولعل التنوين للتفخيم أي إحساناً عظيماً. والإيصاء والوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترناً بوعظ من قولهم: أرض واصية متصلة النبات، ففي الآية إشعار بأن الإحسان بهما أمر معتنى به، وقد عدَّ في الحديث ثاني أفضل الأعمال وهو الصلاة لأول وقتها، وَعدَّ عقوقهما ثاني أكبر الكبائر وهو الإشراك بالله عز وجل، والأحاديث في الترغيب في الأول والترهيب عن الثاني كثيرة جداً، وفي الآيات ما فيه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.

وقرأ الجمهور { حُسْنًا } بضم الحاء وإسكان السين أي فعلاً ذا حُسْن أو كأنه في ذاته نفس الحُسْن لفرط حُسْنه، وجوز أبو حيان فيه أن يكون بمعنى { إِحْسَـٰناً } فالأقوال السابقة تجري فيه. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والسلمي وعيسى { حَسَناً } بفتح الحاء والسين، وعن عيسى { حُسُناً } بضمهما.

{ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } أي ذات كره أو حملاً ذا كره وهو المشقة كما قال مجاهد والحسن وقتادة، وليس الكره في أول علوقها بل بعد ذلك حين تجد له ثقلاً.

السابقالتالي
2 3 4