الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } بالجر على إضمار في، وقد قرأ عبد الله بذكره. وجاء حذف الجار مع إبقاء عمله كما في قوله:
إذا قيل أي الناس شر قبيلة   أشارت كليب بالأكف الأصابع
وحسن ما هنا ذكر الجار في الآيتين قبل. وقرىء بالرفع على أنه مبتدأ خبره { ءايَـٰتُ } بعد. والمراد باختلافهما تعاقبهما أو تفاوتهما طولاً وقصراً، وقيل: اختلافهما في أن أحدهما نور والآخر ظلمة.

{ وَمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } عطف على { ٱخْتِلَـٰفُ } { مّنَ ٱلسَّمَاء } جهة العلو، وقيل: السحاب، وقيل: الجرم المعروف بضرب من التأويل.

{ مِن رّزْقِ } من مطر، وسمي رزقاً لأنه سببه فهو مجاز، ولو لم يؤل صح لأنه في نفسه رزق أيضاً. { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ } بأن أخرج منها أصناف الزرع والثمرات والنبات، والسببية عادية اقتضتها الحكمة / { بَعْدَ مَوْتِهَا } يبسها وعرائها عن آثار الحياة وانتفاء قوة التنمية عنها.

{ وَتَصْرِيفِ ٱلرّيَاحِ } من جهة إلى أخرى ومن حال إلى حال، وتأخيره عن إنزال المطر مع تقدمه عليه في الوجوه إما للإيذان بأنه آية مستقلة حيث لو روعي الترتيب الوجودي لربما توهم أن مجموع تصريف الرياح وإنزال المطر آية واحدة، وإما لأن كون التصريف آية ليس بمجرد كونه مبدأ لإنشاء المطر بل له ولسائر المنافع التي من جملتها سوق السفن في البحار. وقرأ زيد بن علي وطلحة وعيسى { وتصريف الريح } بالإفراد.

{ ءايَـٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } بالرفع على أنه مبتدأ خبره ما تقدم من الجار والمجرور أعني { فِي ٱخْتِلَـٰفِ } على ما سمعت. والجملة معطوفة على ما قبلها. وقيل: إن { ٱخْتِلَـٰفُ } بالجر عطف علىخَلْقِكُمْ } [الجاثية: 4] المجرور بفي قبله و { ءايَـٰت } عطف علىءايَـٰتٌ } [الجاثية: 4] السابق المرفوع بالابتداء، وفيه العطف على معمولي عاملين مختلفين، ومن الناس من يمنعة وهم أكثر البصريين، ومنهم من يجيزه وهم أكثر الكوفيين، ومنهم من يفصل فيقول: وهو جائز في نحو قولك: في الدار زيد والحجرة عمرو وغير جائز في نحو قولك: زيد في الدار وعمرو الحجرة لأن الأول يلي المجرور فيه العاطف فقام العاطف مقام الجار، والثاني لم يل فيه المجرور العاطف فكان فيه إضمار الجار من غير عوض، وتمام الكلام في هذه المسألة في محله.

وقيل: إن { ٱخْتِلَـٰفُ } عطف على المجرور قبل و { ءايَـٰتٌ } خبر مبتدأ محذوف أي هي آيات؛ واختاره من لم يجوز العطف على معمولي عاملين ويقول بضعف حذف الجار مع بقاء عمله وإن تقدمه ذكر جار. وقال أبو البقاء: { ءايَـٰت } مرفوع على التأكيد لآيات السابق وهم يعيدون الشيء إذا طال الكلام في الجملة للتأكيد والتذكير. وتعقب بأن ذلك إنما يكون بعين ما تقدم واختلاف الصفات يدل على تغاير الموصوفات فلا وجه للتأكيد، وأيضاً فيه الفصل بين المعطوف المجرور والمعطوف عليه وبين المؤكد والمؤكد وهو إن جاز يورث تعقيداً ينافي فصاحة القرآن العظيم.

السابقالتالي
2 3