الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

وقوله تعالى: { هَـٰذَا كِتَـٰبُنَا } إلى آخره من تمام ما يقال حينئذٍ، والإشارة إلى الكتاب التي تدعى إليه الأمة المقول لها ذلك، وهو إذا كان صحيفة الأعمال فإضافته إلى ضميره جل شأنه لأدنى ملابسة على التجوز في النسبة الإضافية فإنه تعالى الذي أمر الكتبة أن يكتبوا فيه أعمالهم، وإن كان الكتاب المنزل على نبـي تلك الأمة أو اللوح المحفوظ فأمر الإضافة ظاهر، وضمير العظمة على سائر الأوجه لتفخيم شأن الكتاب، وجوز أن يكون الضمير للكتبة والإضافة فيه حقيقية قيل: ويأباه { نَسْتَنسِخُ } إلا أن يجعل بمعنى ننسخ ونكتب وستعلم إن شاء الله تعالى ما فيه، والأظهر عندي حمل الكتاب في الموضعين على صحيفة الأعمال واسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبر.

وقوله سبحانه: { يَنطِقُ عَلَيْكُم } أي يشهد عليكم { بِٱلْحَقّ } من غير زيادة ولا نقص خبر آخر أو حال أو مستأنف، و { بِٱلْحَقّ } حال من فاعل { يَنطِقُ }.

وقوله تعالى: { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ } إلى آخره تعليل لنطقه عليهم بأعمالهم من غير إخلال بشيء منها أي إنا كنا فيما قبل نستنسخ الملائكة أي نجعلها تنسخ وتكتب { مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا من الأعمال حسنة كانت أو سيئة.

وحقيقة النسخ (كتابة من أصل ينظر فيه) فكأن أفعال العباد هي الأصل على ما في «البحر». وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن الله تعالى خلق النون وهي الدواة وخلق القلم فقال: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول بر أو فاجر ورزق مقسوم حلال أو حرام ثم الزم كل شيء من ذلك بيانه دخوله في الدنيا متى ومقامه فيها كم وخروجه منها كيف ثم جعل على العباد حفظه وعلى الكتاب خزاناً فالحفظة يستنسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم فإذا فني الرزق وانقطع الأمر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم فتقول الخزنة ما نجد لصاحبكم عندنا شيئاً فترجع فيجدونه قد مات ثم قال ابن عباس ألستم قوماً عرباً تسمعون الحفظة يقولون { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل؟ وفي رواية ابن المنذر وابن أبـي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن الآية فذكر نحو ما سمعت ثم قال: هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب؟ وكون الاستنساخ من اللوح قد رواه جماعة عنه، وما ذكرناه يصحح أن يكون هذا القول من الملائكة بدون تأويل { نَسْتَنسِخُ } بننسخ / كما لا يخفى.