الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيّئَـٰتِ } إلى آخره استئناف مسوق لبيان حال المسيئين والمحسنين إثر بيان حال الظالمين والمتقين. و { أَمْ } منقطعة وما فيها من معنى بل للانتقال من البيان الأول إلى الثاني، والهمزة لإنكار الحسبان على معنى أنه لا يليق ولا ينبغي لظهور خلافه. والاجتراح الاكتساب ومنه الجارحة للأعضاء التي يكتسب بها كالأيدي، وجاء هو جارحة أهله أي كاسبهم، وقال الراغب: الاجتراح اكتساب الإثم وأصله من الجراحة كما أن الاقتراف من قرف القرحة، والظاهر تفسيره هٰهنا بالاكتساب لمكان { ٱلسَّيّئَاتِ } والمراد بها على ما في «البحر» سيئات الكفر.

وقوله تعالى: { أَن نَّجْعَلَهُمْ } ساد مسد مفعولي الحسبان، والجعل بمعنى التصيير وهم مفعوله الأول، وقوله سبحانه: { كَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } مفعوله الثاني، وقوله عز وجل: { سَوَآءً } بدل من الكاف بناء على أنها اسم بمعنى مثل، وقوله تعالى: { مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } فاعل { سَوَآءً } أجري مجرى مستوٍ كما قالوا: مررت برجل سواء هو والعدم، وضمير الجمع للمجترحين، والمعنى على إنكار حسبان جعل محيا المجترحين ومماتهم مستويين مثلهما للمؤمنين، ومصب الإنكار استواء ذلك فإن المؤمنين تتوافق حالاهم لأنهم مرحومون في المحيا والممات وأولئك تتضاد حالاهم فإنهم مرحومون حياة لا موتاً؛ وجوز أن يكون { سَوَآءً } حالاً من الضمير في الكاف بناء على ما سمعت من معناها.

/ وتعقب بأنها اسم جامد على صورة الحرف فلا يصح استتار الضمير فيها وقد صرح الفارسي بمنع ذلك، نعم يجوز أن يكون { كَٱلَّذِينَ } جاراً ومجروراً في موضع المفعول الثاني و { سَوَآءً } حالا من الضمير المستتر فيه، وقيل: يجوز أيضاً كونه حالاً من ضمير { نَّجْعَلَهُمْ } وكذا يجوز كونه المفعول الثاني، وكون الكاف أو الجار والمجرور حالاً من هذا الضمير، وما ذكر أولاً أظهر وأولى، وجوز كون ضمير الجمع في { مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } للمؤمنين فسواء حال من الموصول الثاني ولا يجوز أن يكون حالاً من الضمير في { كَٱلَّذِينَ } لفساد المعنى وكون الضمير للفريقين فسواء حال من مجموع الموصول الثاني وضمير الأول، والمعنى على إنكار حسبان أن يستوي الفريقان بعد الممات في الكرامة أو ترك المؤاخذة كما استويا ظاهراً في الرزق والصحة في الحياة، وجوز أن يكون المعنى على إنكار حسبان جعل الحياتين مستويتين لأن المؤمنين على الطاعة وأولئك على المعاصي وكذلك الموتان لأنهم ملقون بالبشرى والرضوان وأولئك بالسوء والخذلان، وقيل: به على تقدير كون الضمير للمجترحين أيضاً. ولم يجوز المدقق الإبدال من الكاف على تقدير اشتراك الضمير إذ المثل هو المشبه و { سَوَآء } جار على المشبه والمشبه به.

وقرأ جمهور القراء { سَوَاءٌ مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } برفع سواء وما بعده على أن سواء خبر مقدم وما بعده مبتدأ لا العكس لأن سواء نكرة ولا مسوغ للابتداء بها والضمير للمجترحين.

السابقالتالي
2 3