الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي من الموجودات بأن جعل فيها منافع لكم، منها ظاهرة ومنها خفية، وعقب بالتفكر لينبه على أن التفكر هو الذي يؤدي إلى ما ذكر من الأولوية ويدل به على أن التفكر ملاك الأمر في ترتيب الغرض على ما جعل آية من الإيمان والإيقان والشكر { جَمِيعاً } حال / من { مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أو توكيد له وقوله تعالى: { مِنْهُ } حال من ذلك أيضاً، والمعنى سخر هذه الأشياء جميعاً كائنة منه وحاصلة من عنده يعني أنه سبحانه مكونها وموجودها بقدرته وحكمته ثم مسخرها لخلقه.

وجوز فيه أوجه أخر. الأول أن يكون خبر مبتدأ محذوف فقيل «جميعاً» حينئذ حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور بناء على جواز تقدم الحال على مثل هذا العامل أو من المبتدأ بناء على تجويز الحال منه أي هي جميعاً منه تعالى وقيل: جميعاً على ما كان ويلاحظ في تصوير المعنى فالضمير المبتدأ يقدر بعده ويعتبر رجوعه إلى ما تقدم بقيد (جميعاً)، والجملة على القولين استئناف جيء به تأكيداً لقوله تعالى: { سَخَّرَ } أي أنه عز وجل أوجدها ثم سخرها لا أنها حصلت له سبحانه من غيره كالملوك.

الثاني أن يجعل { ما في السمٰوات } مبتدأ ويكون هو خبره و { جَمِيعاً } حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور الواقع صلة ويكون { وَسَخَّرَ لَكُمُ } تأكيداً للأول أي سخر وسخر، وفي العطف إيماء إلى أن التسخير الثاني كأنه غير الأول دلالة على أن المتفكر كلما فكر يزداد إيماناً بكمال التسخير والمنة عليه. وجملة { مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ } الخ مستأنفة لمزيد بيان القدرة والحكمة. واعترض بأنه إن أريد التأكيد اللغوي فهو لا يخلو من الضعف لأن عطف مثله في الجمل غير معهود، وإن أريد التأكيد الاصطلاحي كما قيل به في قوله تعالى:كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [التكاثر: 3-4] فهو مخالف لما ذكره ابن مالك في «التسهيل» من أن عطف التأكيد يختص بثم، وقال الرضي: يكون بالفاء أيضاً وهو هٰهنا بالواو ولم يجوزه أحد منهم وإن لم يذكروا وجه الفرق على أنه قد تقرر في المعاني أنه لا يجري في التأكيد العطف مطلقاً لشدة الاتصال، واعترض أيضاً بأن فيه حذف مفعول { سَخَّرَ } من غير قرينة وهذا كما ترى. الثالث أن يكون { مَّا فِي ٱلأَرْضِ } مبتدأ و { مِنْهُ } خبره ولا يخفى أنه ضعيف بحسب المساق.

وأخرج ابن المنذر من طريق عكرمة أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يكن يفسر هذه الآية، ولعله إن صح محمول على أنه لم يبسط الكلام فيها، فقد أخرج ابن جرير عنه أنه قال: فيها كل شيء هو من الله تعالى.

السابقالتالي
2 3