الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ }

وقوله تعالى: { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } جملة مستأنفة أو حالية وكأنه أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة فوضع الموتة الأولى موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها، ونظيره قول القائل لمن يستسقيه: لا أسقيك إلا الجمر وقد علم أن الجمر لا يسقي، ومثله قوله عز وجل:وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [النساء: 22] فالاستثناء متصل والدخول فرضي للمبالغة، وضمير { فِيهَا } للجنات، وقيل: هو متصل والمؤمن عند موته لمعاينة ما يعطاه في الجنة كأنه فيها فكأنه ذاق الموتة الأولى في الجنة، وقيل: متصل وضمير { فِيهَا } للآخرة والموت أول أحوالها، ولا يخفى ما فيه من التفكيك مع ارتكاب التجوز، وقيل: الاستثناء منقطع والضمير للجنات أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا، والأصل اتصال الاستثناء. وقال الطبري: إلا بمعنى بعد، والجمهور لم يثبتوا هذا المعنى لها، وقال ابن عطية: ذهب قوم إلى أن إلا بمعنى سوى وضعفه الطبري. وقال أبو حيان: ((ليس تضعيفه بصحيح بل يصح المعنى بسوى ويتسق)). وفائدة الوصف تذكير حال الدنيا.

والداعي لما سمعت من الأوجه دفع سؤال يورد هٰهنا من أن الموتة الأولى مما مضى لهم في الدنيا وما هو كذلك لا يمكن أن يذوقوه في الجنة فكيف استثنيت؟ وقيل: إن السؤال مبني على أن الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثني الحكم المنفي عن المستثنى منه ومحال أن يثبت للموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة، وأما على قول من / جعله تكلماً بالباقي بعد الثنيا، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأولى من الموت فلا إشكال فتأمل.

وقرأ عبيد بن عمير { لا يذاقون } مبنياً للمفعول، وقرأ عبد الله { لا يذوقون فيها طعم الموت } وجاء في الحديث النوم لأنه أخو الموت، أخرج البزار والطبراني في «الأوسط» وابن مردويه والبيهقي في البعث بسند صحيح عن جابر بن عبد الله قال: " قيل يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ قال: لا النوم أخو الموت وأهل الجنة لا يموتون ولا ينامون "

{ وَوَقَـٰهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } وقرأ أبو حيوة { ووقَّاهم } مشدد القاف على المبالغة في التكثير في الوقاية لأن التفعيل لزيادة المعنى لا للتعدية لأن الفعل متعد قبله.