الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ }

{ إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ } أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعول عليه { فِي لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } هي ليلة القدر على ما روي عن ابن عباس وقتادة وابن جبير ومجاهد وابن زيد والحسن وعليه أكثر المفسرين والظواهر معهم، وقال عكرمة وجماعة: هي ليلة النصف من شعبان، وتسمى ليلة الرحمة والليلة المباركة وليلة الصك وليلة البراءة. ووجه تسميتها بالأخيرين أن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة / والصك كذلك الله عز وجل يكتب لعباده المؤمنين البراءة والصك في هذه الليلة. وظاهر كلامهم هنا أن البراءة وهي مصدر بريء براءة إذا تخلص تطلق على صك الأعمال والديون وما ضاهاها وأنه ورد في الآثار ذلك. وهو مجاز مشهور وصار بذلك كالمشترك. وفي «المغرب» بريء من الدين والعيب براءة، ومنه البراءة لخط الإبراء والجمع براءات، وبروات عامية اهـ. وأكثر أهل اللغة على أنه لم يسمع من العرب وأنه عامي صرف وإن كان من باب المجاز الواسع.

قال ابن السيد في «المقتضب» البراءة في الأصل مصدر برىء براءة، وأما البراءة المستعملة في صناعة الكتاب فتسميتها بذلك إما على أنها من برىء من دينه إذا أداه وبرئت من الأمر إذا تخليت منه فكأن المطلوب منه أمر تبرأ إلى الطالب أو تخلى، وقيل: أصله أن الجاني كان إذا جنى وعفا عنه الملك كتب له كتاب أمان مما خافه فكان يقال: كتب السلطان لفلان براءة ثم عمم ذلك فيما كتب من أولي الأمر وأمثالهم اهـ.

وذكروا في فضل هذه الليلة أخباراً كثيرة، منها ما أخرجه ابن ماجه والبيهقي في «شعب الإيمان» عن علي كرم الله وجهه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر " وما أخرجه الترمذي وابن أبـي شيبة والبيهقي وابن ماجه عن عائشة قالت: " فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فخرجت أطلبه فإذا هو بالبقيع رافعاً رأسه إلى السماء فقال يا عائشة: أكنت تخافين أن يحيف الله تعالى عليك ورسوله؟ قلت: ما بـي من ذلك ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب " وما أخرجه أحمد بن حنبل في «المسند» عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3