الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ }

والفاء في قوله تعالى: { فَٱرْتَقِبْ } لترتيب الارتقاب أو الأمر به على ما قبلها فإن كونهم في شك يلعبون مما يوجب ذلك حتماً أي فانتظر لهم { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } أي يوم تأتي بجدب ومجاعة فإن الجائع جداً يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان وهي ظلمة تعرض للبصر لضعفه فيتوهم ذلك فإطلاق الدخان على ذلك المرئي باعتبار أن الرائي يتوهمه دخاناً، ولا يأباه وصفه بمبين وإرادة الجدب والمجاعة منه مجاز من باب ذكر المسبب وإرادة السبب أو لأن الهواء يتكدر سنة الجدب بكثرة الغبار لقلة الأمطار المسكنة له فهو كناية عن الجدب وقد فسر أبو عبيدة الدخان به، وقال القتبـي: يسمى دخاناً ليبس الأرض حتى يرتفع منها ما هو كالدخان، وقال بعض العرب: نسمي الشر الغالب دخاناً، ووجه ذلك بأن الدخان مما يتأذى به فأطلق على كل مؤذ يشبهه، وأريد به هنا الجدب ومعناه الحقيقي معروف، وقياس جمعه في القلة أدخنة وفي الكثرة دخنان نحو غراب وأغربة وغربان، وشذوا في جمعه على فواعل فقالوا: دواخن كأنه جمع داخنة تقديراً، وقرينة التجوز فيه هنا حالية كما ستعلمه إن شاء الله تعالى من الخبر.

والمراد باليوم مطلق الزمان وهو مفعول به لارتقب أو ظرف له والمفعول محذوف أي ارتقب وعد الله تعالى في ذلك اليوم وبالسماء جهة العلو، وإسناد الإتيان بذلك إليهما من قبيل الإسناد إلى السبب لأنه يحصل بعدم إمطارها ولم يسند إليه عز وجل مع أنه سبحانه الفاعل حقيقة ليكون الكلام مع سابقه المتضمن إسناد ما هو رحمة إليه تعالى شأنه على وزان قوله تعالى:أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة: 7] وتفسير الدخان بما فسرناه به مروي عن قتادة وأبـي العالية والنخعي والضحاك ومجاهد ومقاتل وهو اختيار الفراء والزجاج.

وقد روي بطرق كثيرة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، أخرج أحمد والبخاري وجماعة عن مسروق قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: إني تركت رجلاً في المسجد يقول في هذه الآية { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَاء بِدُخَانٍ } الخ: يغشى الناس قبل يوم القيامة دخان، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام فغضب وكان متكئاً فجلس ثم قال: من علم منكم علماً فليقل به، ومن لم يكن يعلم فليقل الله تعالى أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله تعالى أعلم، وسأحدثكم عن الدخان إن قريشاً لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبطؤا عن الإسلام قال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينه كهيئة الدخان من الجوع، فأنزل الله تعالى:

السابقالتالي
2 3