الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }

{ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ } لأنه يدل على أن ما أبرموه كان أمراً قد أخفوه فيناسب الكيد دون تكذيب الحق لأن الكفرة مجاهرون فيه والمراد بالسر هنا حديث النفس، أي بل أيحسبون أنا لا نسمع حديث أنفسهم بذلك الكيد { وَنَجْوٰهُم } أي تناجيهم وتحادثهم سراً. وقال غير واحد: السر ما حدثوا به أنفسهم أو غيرهم في مكان خال والنجوى ما تكلموا به فيما بينهم بطريق التناجي.

{ بَلَىٰ } نسمعهما ونطلع عليهما { وَرُسُلُنَا } الذين يحفظون عليهم أعمالهم { لَدَيْهِمْ } ملازمون لهم { يَكْتُبُونَ } أي يكتبونهما أو يكتبون كل ما صدر عنهم من الأفعال والأقوال التي من جملتها ما ذكر. والمضارع للاستمرار التجددي، وهو مع فاعله خبر و { لَدَيْهِمْ } حال قدم للفاصلة أو خبر أيضاً. وجملة المبتدأ والخبر إما عطف على ما يترجم عنه (بلى) أو حال أي نسمع ذلك والحال أن رسلنا يكتبونه.

وإذا كان المراد بالسر حديث النفس فالآية ظاهرة في أن السر والكلام المخيل مسموع له تعالى، وكذا هي ظاهرة في أن الحفظة تكتبه كغيره من أقوالهم وأفعالهم الظاهرة، ولا يبعد ذلك بأن يطلعهم الله تعالى عليه بطريق من طرق الاطلاع فيكتبوه. ومن خص كتابهم بالأمور الغير القلبية خص السر بما حدث به الغير في مكان خال. والظاهر أن حسبانهم ذلك حقيقة ولا يستبعد من الكفرة الجهلة، فقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: بينا ثلاثة عند الكعبة وأستارها قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي فقال واحد منهم ترون الله تعالى يسمع كلامنا فقال واحد: إذا جهرتم سمع وإذا أسررتم لم يسمع فنزلت { أَمْ يَحْسَبُونَ } الآية. وقيل: إنهم نزلوا في إقدامهم على الباطل وعدم خوفهم من الله عز وجل منزلة من يحسب أن الله سبحانه لا يسمع سره ونجواه.