الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ }

{ وَنَادَوْاْ } أي من شدة العذاب وفي بعض الآثار «يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيقولون: ادعوا مالكاً فيدعون { يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } » أي ليمتنا من قضى عليه إذا أماته، ومرادهم سل ربك أن يقضي علينا حتى نستريح. وإضافتهم الرب إلى ضميره لحثه لا للإنكار، وهذا لا ينافي الإبلاس على التفسير الأول لأنه صراخ وتمنٍ للموت من فرط الشدة، وأما على التفسير الثاني أنه وإن نفاه لكن زمان كل غير زمان الآخر فإن أزمنة العذاب متطاولة وأحقابه ممتدة فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتاً لغلبة اليأس عليهم وعلمهم أنه لا خلاص لهم ولو بالموت ويغوثون أوقاتاً لشدة ما بهم. وتعقب بأنه لا يناسب دوام الجملة الاسمية أعني وهم مبلسون وقيل إن { نَادَوْاْ } معطوف بالواو وهي لا تقتضي ترتيباً، ولا يخفى أن تلك الجملة حالية لا تنفك عن الخلود.

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن مسعود وابن وثاب والأعمش { يامال } بالترخيم على لغة من ينتظر وقرأ أبو السوار { يامال } بالترخيم أيضاً لكن على لغة من لم ينتظر.

قال ابن جني: وللترخيم في هذا الموضع سر وذلك أنهم لعظم ما هم فيه ضعفت قواهم وذلت أنفسهم فكان هذا من موضع الاختصار ضرورة وبهذا يجاب عن قول ابن عباس وقد حكيت له القراءة به على اللغة الأولى: ما أشغل أهل النار عن الترخيم مشيراً بذلك إلى إنكارها فإن ما للتعجب وفيها معنى الصد يعني أنهم في حالة تشغلهم عن الالتفات إلى الترخيم وترك النداء على الوجه الأكثر في الاستعمال وحاصل الجواب أن هذا الترخيم لم يصدر عنهم لقصد التصرف في الكلام والتفنن فيه كما في قوله:
/ يحي رفات العظام بالية   والحق يامال غير ما تصف
بل للعجز وضيق المجال عن الإتمام كما يشاهد في بعض المكروبين.

{ قَالَ } أي مالك { إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ } مقيمون في العذاب أبداً لا خلاص لكم منه بموت ولا غيره، وهذا تقنيط ونكاية لهم فوق ما هم فيه ولا يضر في ذلك علمه بيأسهم إن قلنا به. وذكر بعض الأجلة أن فيه استهزاء لأنه أقام المكث مقام الخلود والمكث يشعر بالانقطاع لأنه كما قال الراغب ثبات مع انتظار، ويمكن أن يكون وجه الاستهزاء التعبير بماكثون من حيث إنه يشعر بالاختيار وإجابتهم بذلك بعد مدة. قال ابن عباس يجيبهم بعد مضي ألف سنة، وقال نوف: بعد مائة، وقيل ثمانين، وقيل أربعين.