الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ } بعد دخولهم الجنة حسبما أمروا به { بِصِحَـٰفٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوٰبٍ } كذلك. والصحاف جمع صحفة قيل هي كالقصعة، وقيل: أعظم أواني الأكل الجفنة ثم القصعة ثم الصحفة ثم المِئْكلة. والأكواب جمع كوب وهو كوز لا عروة له، وهذا معنى قول مجاهد لا إذن له، وهو على ما روي عن قتادة دون الإبريق، وقال: بلغنا أنه مدور الرأس ولما كانت أواني المأكول أكثر بالنسبة لأواني المشروب عادة جمع الأول جمع كثرة والثاني جمع قلة، وقد تظافرت الأخبار بكثرة الصحاف. أخرج ابن المبارك وابن أبـي الدنيا في «صفة الجنة» والطبراني في «الأوسط» بسند رجاله ثقات عن أنس قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أسفل أهل الجنة أجمعين درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة في كل واحدة لون ليس في الأخرى مثله يأكل من آخرها مثل ما يأكل من أولها يجد لآخرها من الطيب واللذة مثل الذي يجد لأولها ثم يكون ذلك كرشح المسك الإذفر لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون إخواناً على سرر متقابلين " وفي حديث رواه عكرمة " إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لرجل لا يدخل بعده أحد يفسح له في بصره مسيرة عام في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ ليس فيها موضع شبر إلا معمور يغدى عليه كل يوم ويراح بسبعين ألف صحفة في كل صحفة لون ليس في الأخرى مثله شهوته في آخرها كشهوته في أولها لو نزل عليه جميع أهل الأرض لوسع عليهم مما أعطى لا ينقص ذلك مما أوتي شيئاً " وروى ابن أبـي شيبة هذا العدد عن كعب أيضاً، وإذا كان ذلك للأدنى فما ظنك بالأعلى، رزقنا الله تعالى ما يليق بجوده وكرمه. وأمال أبو الحرث عن الكسائي كما ذكر ابن خالويه (بصحاف).

{ وَفِيهَا } أي في الجنة { مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ } من فنون الملاذ { وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } أي تستلذ وتقر بمشاهدته. وذِكْرُ ذلك - الشامل لكل لذة ونعيم بعد ذكر الطواف عليهم بأواني الذهب الذي هو بعض من التنعم والترفه - تعميم بعد تخصيص كما أن ذكر لذة العين التي هي جاسوس النفس بعد اشتهاء النفس تخصيص بعد تعميم. وقال بعض الأجلة: إن قوله تعالى: { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ } دل على الأطعمة { وَأَكْوابٍ } على الأشربة، ولا يبعد أن يحمل قوله سبحانه: { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ } على المنكح والملبس وما يتصل بهما ليتكامل جميع المشتهيات النفسانية فبقيت اللذة الكبرى وهي النظر إلى وجه الله تعالى الكريم / فكنى عنه بقوله عز وجل: { وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي عن أنس:

السابقالتالي
2 3 4