الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ }

وقوله سبحانه: { وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا } الخ تذييل لوجه دلالته على القدرة وأن الافتتان من عدم التأمل وتضمين للإنكار على من اتخذ الملائكة آلهة كما اتخذ عيسى عليهم السلام أي ولو نشاء لقدرتنا على عجائب الأمور وبدائع الفطر لجعلنا بطريق التوليد ومآله لولدنا { مّنكُمْ } يا رجال { مَّلاَئِكَةً } كما ولدنا عيسى من غير أب { فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } أي يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم أو يكونون خلفاً ونسلاً لكم ليعرف تميزنا بالقدرة الباهرة وليعلم أن الملائكة ذوات ممكنة تخلق توليداً كما تخلق إبداعاً فمن أين لهم استحقاق الألوهية والانتساب إليه سبحانه وتعالى بالبنوة؟. وجوز أن يكون معنى { لَجَعَلْنَا } الخ لحولنا بعضكم ملائكة فمن ابتدائية أو تبعيضية و { مَّلاَئِكَةً } مفعول ثان أو حال. وقيل: من للبدل كما في قوله تعالى:أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ } [التوبة: 38] وقوله:
ولم تذق من البقول الفستقا   
أي ولو نشاء لجعلنا بدلكم ملائكة يكونون مكانكم بعد إذهابكم، وإليه يشير كلام قتادة ومجاهد، والمراد بيان كمال قدرته تعالى لا التوعد بالاستئصال وإن تضمنه فإنه غير ملائم للمقام، وقيل: لا مانع من قصدهما معاً، نعم كثير من النحويين لا يثبتون لمن معنى البدلية ويتأولون ما ورد مما يوهم ذلك والأظهر ما قرر أولاً.

وذكر العلامة الطيبـي عليه الرحمة أن قوله تعالى:إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ } [الزخرف: 59] الخ جواب عن جدل الكفرة في قوله سبحانه:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } [الأنبياء: 98] الخ وأن تقريره: إن جدلكم هذا باطل لأنه عليه السلام ما دخل في ذلك النص الصريح لأن الكلام معكم أيها المشركون وأنتم المخاطبون به وإنما المراد بما تعبدون الأصنام التي تنحتونها بأيديكم وأما عيسى عليه السلام فما هو إلا عبد مكرم منعم عليه بالنبوة مرفوع المنزلة والذكر مشهور في بني إسرائيل كالمثل السائر فمن أين تدخل في قولنا:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] ثم لا اعتراض علينا أن نجعل قوماً أهلاً للنار وآخرين أهلاً للجنة إذ لو نشاء لجعلنا منكم ومن أنفسكم أيها الكفرة ملائكة أي عبيداً مكرمون مهتدون وإلى الجنة صائرون كقوله تعالى:وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } [السجدة: 13] اهـ. وعلى ما ذكرنا أن الكلام في إبطال قد تم عند قوله تعالى:خَصِمُونَ } [الزخرف: 58] وما بعد لما سمعت قبل وهو أدق وأولى مما ذكره بل ما أشار إليه من أن قوله تعالى: { وَلَوْ نَشَاء } الخ لنفي الاعتراض ليس بشيء.

وروي أن ابن الزبعرى قال للنبـي صلى الله عليه وسلم حين سمع قوله تعالى:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] أهذا لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم فقال: خصمتك ورب الكعبة أليست النصارى يعبدون المسيح، واليهود عزيراً وبنو مليح الملائكة؟ فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ففرحوا وضحكوا وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:

السابقالتالي
2 3