الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ }

/ وقوله تعالى: { وَلَن يَنفَعَكُمُ } الخ حكاية لما سيقال لهم حينئذ من جهة الله عز وجل توبيخاً وتقريعاً. وفاعل { يَنفَعَكُمُ } ضمير مستتر يعود على ما يفهم مما قبل أي لن ينفعكم هو أي تمنيكم لمباعدتهم أو الندم أو القول المذكور { ٱلْيَوْمَ } أي يوم القيامة { إِذ ظَّلَمْتُمْ } بدل من { ٱلْيَوْمَ } أي إذ تبين أنكم ظلمتم في الدنيا قاله غير واحد. وفسر ذلك بالتبين قيل لئلا يشكل جعله وهو ماض بدلاً من { ٱلْيَوْمَ } وهو مستقبل لأن تبين كونهم ظالمين عند أنفسهم إنما يكون يوم القيامة فاليوم وزمان التبين متحدان وهذا كقوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة   
وأورد عليه أن السؤال عائد لأن { إِذْ } ظرف لما مضى من الزمان ولا يخرج عن ذلك باعتبار التبين وتفصى بعضهم عن الإشكال بأن إذ قد تخرج من المضي إلى الاستقبال على ما ذهب إليه جماعة منهم ابن مالك محتجاً بقوله تعالى:فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ } [غافر: 70ـ71] وإلى الحال كما ذهب إليه بعضهم محتجاً بقوله سبحانه:وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } [يونس: 61] فلتكن هنا للاستقبال، وأهل العربية يضعفون دعوى خروجها من المضي.

وقال الجلبـي: لعل الأظهر حملها على التعليل فيتعلق بالنفي، فقد قال سيبويه: إنها بمعنى التعليل حرف بمنزلة لام العلة، نعم أنكر الجمهور هذا القسم لكن إثبات سيبويه إياه يكفي حجة:
فإن القول ما قالت حذام   
وتعقب بأنه لا يكفي في تخريج كلام الله سبحانه إثبات سيبويه وحده مع إطباق جميع أئمة العربية على خلافه، وأيضاً تعليل النفي بعد يبعده وقال أبو حيان: ((لا يجوز البدل على بقاء إذ على موضوعها من كونها ظرفاً لما مضى من الزمان فإن جعلت لمطلق الوقت جاز))، ولا يخفى أن ذلك مجاز فهل تكفي البدلية قرينة له فإن كفت فذاك. وقال ابن جني: راجعت أبا علي في هذه المسألة يعني الإبدال المذكور مراراً وآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وهما سواء في حكم الله سبحانه وعلمه جل شأنه إذ لا يجري عليه عز وجل زمان فكأن { إِذْ } مستقبل أو { ٱلْيَوْمَ } ماض فصح ذلك، ورد بأن المعتبر حال الحكاية والكلام فيها وارد على ما تعارفه العرب ولولاه لسد باب النكات ولغت الاعتبارات في العبارات ومثله غني عن البيان. وقال أبو البقاء: التقدير بعد { إِذ ظَّلَمْتُمْ } فحذف المضاف للعلم به، وقال الحوفي: { إِذْ } متعلقة بما دل عليه المعنى كأنه قيل ولن ينفعكم اليوم اجتماعكم إذ ظلمتم مثلاً.

ومن الناس من استشكل الآية من حيث إن فيها إعمال { يَنفَعَكُمُ } الدال على الاستقبال لاقترانه بلن في اليوم وهو الزمان الحاضر وإذ وهو للزمان الماضي.

السابقالتالي
2